في الأيام القليلة الماضية، حصلنا على نظرة أفضل على جانب كان مظلماً لمحكمة استخبارات سرية. فقد نشر «مايكل هورتوفيتز» المفتش العام بوزارة العدل الأميركية تقريراً طال انتظاره يفحص تحقيق مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي.) في علاقة حملة ترامب بروسيا. وانتهز كثير من «الديمقراطيين» بسرعة تقرير المفتش العام ليثبتوا أن التحقيق أجري وفق القواعد المرعية، وأنه لم يكن «مطاردة» حزبية كما يزعم الرئيس. لكن نتائج التقرير تعتبر اتهاماً قوياً لممارسات تحقيقات (إف. بي. آي)، فقد توصل المفتش العام إلى أن مكتب التحقيقات الاتحادي ارتكب طائفة كبيرة من الأخطاء في مسعى مراقبة الأهداف. وأكد فحص المفتش العام لممارسات مكتب التحقيقات الاتحادي الداخلية الافتقار الهائل للضمانات الأساسية مما أثار مخاوف عميقة بشأن الحريات المدنية.
والجدير بالذكر أنه بموجب قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، يتعين على الحكومة أن تسعى للحصول على تصريح من محكمة سرية للاستخبارات تعرف باسم «محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية» كي تتجسس على الأميركيين لأغراض الاستخبارات الأجنبية. وعلى مدار أكثر من 40 عاماً، ظلت الإجراءات في هذه المحكمة تتم سراً مما سمح ببعض من أكثر آليات المراقبة المتخيلة ابتكاراً وتطفلاً. وفي عملية أحادية الجانب تماماً، يوقع القضاة في هذه المحكمة سنويا على طلبات مراقبة حكومية سرية تطال عددا كبيرا من الأميركيين ممن لم يشتبه في ارتكابهم جريمة قط. ونمطيا، لا يطلع أحد من خارج الحكومة- بما في ذلك محامي الدفاع في قضايا مراقبة «قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية»- على هذه الطلبات، ناهيكم عن الحصول على فرصة للطعن فيها بشكل مجدي.
ولطالما حذرت جماعات الحريات المدنية، بما في ذلك الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، من أن الطبيعة السرية لهذه العملية سينتج عنها انتهاكات. وتقرير المفتش العام يؤكد بشكل أكبر هذه الحقيقة. والتقرير كشف أن طلب مكتب التحقيقات الاتحادي التجسس على «كارتر بيج»- المستشار السابق لحملة ترامب الذي اعتقدت الحكومة أنه كان يعمل بمثابة عميل روسي- امتلأ بكم هائل من الأخطاء وعمليات الحذف. فقد شوه حقائق محورية ذات صلة بمصداقية مصادره واستبعد بعضها. فقد أشار إلى تعاملات «بيج» مع عملاء استخبارات روس معروفين، لكنه لم يكشف عن أن بيج كان مصدراً لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي. آي. أيه.) في فترة تداخلت مع بعض تعاملاته مع العملاء الروس.
ورغم هذه الأخطاء وغيرها من الأخطاء الكبيرة الأخرى- بعضها يرجح أن يواجه تحديات كبيرة في عملية مثيرة للخلاف- وافقت محكمة الاستخبارات على طلب مكتب التحقيقات الاتحادي بالتجسس على «بيج». وتكررت هذه الأخطاء وعدد آخر من الأخطاء في ثلاثة طلبات أخرى جميعها وافقت عليها الحكومة. وما يجعل هذا النموذج لافتا للانتباه على نحو خاص هو أن طلب المراقبة على بيج خضع لتدقيق من مكتب التحقيقات الاتحادي بشكل أكبر بكثير من المعتاد. فقد أشار تقرير المفتش العام إلى أن الأخطاء «ارتكبها ثلاثة فرق منفصلة ومختارة في واحد من أكثر تحقيقات المكتب حساسية التي يجري تقديم إفادة بشأنه إلى أعلى المستويات في المكتب وأنه كان تحقيق يتوقع مسؤولو المكتب أن يخضع في نهاية المطاف لفحص عن كثب».
وإذا كان هذا ما يبدو عليه الفحص عن كثب، فمن حق المرء أن يسأل عن عدد الأخطاء الذي يحدث في القضايا الأخرى الأقل أهمية سياسياً، والتي لا تحظى أبداً بفرصة مراجعة المفتش العام أو اهتمام الكونجرس. وإذا كان من الممكن أن يحدث مثل هذا الانتهاك في حالة مستشار لمرشح «جمهوري» للرئاسة الأميركية، فليس بوسع المرء إلا أن يتخيل الانتهاكات التي تطال أفراد آخرين أقل مكانة من «بيج».
قوانيننا الاستخباراتية في حاجة ماسة إلى الإصلاح. وكثيرون من أعضاء الكونجرس مدافعون متحمسون عن سلطات التجسس التطفلية لكنهم الآن «غاضبون» و«مشمئزون» مما حدث. يتعين على هؤلاء الأعضاء أن يتحركوا فيما يتجاوز إظهار المشاعر السياسية. ويتعين عليهم إصلاح قواعد وممارسات الاستخبارات التي استخدمت لسنوات في استهداف خاطئ لطائفة واسعة من الأميركيين من بينهم مسلمون وأقليات عرقية ونشطاء.
يجب على الكونجرس، كبداية، أن يجعل محكمة الاستخبارات أكثر شفافية، وأن تمنح محامي الدفاع فرصة الاطلاع على طلبات المراقبة ويطالب بمعايير أعلى قبل أن يتاح للحكومة مراقبة الأشخاص.
نعيمة سينغ جولياني
مستشارة تشريعية بالاتحاد الأميركي للحريات المدنية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»