ما تتميز به دولة الإمارات العربية المتحدّة عن غيرها من دول العالم، أنها تحرص دائماً على الربط بين الماضي والمستقبل بشكل متوازن واستلهام العبر والدروس من التجارب وتطويع نتائجها بما ينسجم مع تطلّعاتها، والاستفادة من معطيات الواقع بانفتاح لرسم ملامح مستقبلها بشكل مدروس ومن دون إفراط أو تفريط.
وليس غريباً أن تتربع الإمارات قبل أيام عدة على قمة العديد من المؤشرات على مستوى العالم أجمع وفي العديد من القطاعات التي شملت الاقتصاد والتعليم والحوكمة والإنتاجية وغيرها، وذلك وفقاً لتقرير التنافسية العالمية 2019، فهي لا تقبل العشوائية ولا تترك شيئاً للصدفة وتعتمد على العلم والمعرفة، وتنتهج التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل بعقل منفتح على العالم وذهن متوقّد ونظرة ثاقبة تحسب حساب الإيجابيات والسلبيات وتستفيد من التحديات فتحولها إلى فرص، ومن التهديدات فتحولها إلى نقاط للقوة.
إن السرّ وراء ما حققته هذه الدولة الفتية من منجزات هو ما حباها الله به من نعم، وفي مقدمتها قيادة رشيدة حكيمة تضع المصلحة الوطنية وتمكين الدولة وحجز مكان لها في المقدمة والمنافسة على القمم وسعادة المواطن والارتقاء بكل مقومات حياته في مقدمة أولوياتها وتجعل منه دائماً محور اهتمامها، وشعب ينتمي إلى وطنه انتماء لا تشوبه شائبة، ويلتف حول قيادته التفاف السوار حول المعصم ويسير على خطاها في عشق خوض غمار التحديات وقهر المستحيل وارتقاء القمم، وهي ثنائية متكاملة تختصر قوانين النجاح ومتطلّبات التفوّق.
أول من أمس أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إطلاق أكبر استراتيجية وطنية للعام الجديد استعداداً للاحتفال بمرور 50 عاماً على قيام دولة الإمارات، وهو احتفال من نوع مختلف يتجاوز التقليد الذي اعتاده الناس، ويقوم على تقدير المنجزات والامتنان لمن حققوها ومن ثمّ البناء عليها للانطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً وتميزاً في الإنجاز.
إن مقارنة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مراحل التأسيس والتمكين والريادة وربطه بينها «نعلن اليوم العام القادم عام الاستعداد للخمسين، نريد تطوير خططنا ومشاريعنا وتفكيرنا، قبل خمسين عاماً صمم فريق الآباء المؤسسين حياتنا اليوم، ونريد العام القادم تصميم الخمسين عاماً القادمة للأجيال الجديدة»، هي بمثابة منهاج عمل وخريطة طريق واضحة للكيفية التي تحتفل بها الإمارات بمناسباتها السعيدة، وتأكيد على أنها ستبقى دوماً دولة رشيقة وديناميكية تعتزّ بماضيها من دون انكفاء عليه واجترار لمضامينه وحيثياته، وترتكز على جذورها الراسخة في الشموخ إلى الأعلى والتطلّع نحو المعالي، وتنفتح على العالم وحضاراته تتفاعل معها وتسهم فيها وتستفيد منها وتفيدها.
لقد كان خيار دولة الإمارات للاحتفال بيوبيلها الذهبي، الذي لا شك في أنها ستحقق بحلوله هدفها الذي وضعته قبل سنوات طويلة بأن تكون واحدة من أفضل دول العالم، هو أن تصبح خليّة نحل حافلة بالنشاط والحيوية، وعمل جادّ ومجتهد لتعظيم الإنجاز وانشغال بصناعة مستقبل الأجيال المقبلة والادخار لها بحيث تكون شريكة في الوطن وكأنها تعيش بيننا اليوم وتنال حصّتها من الخير والثروة والإنجازات التي أبهرت العالم.
وتسير قافلة الإمارات بثبات نحو المستقبل بطموحات وأهداف لا حدود لها، وعزيمة لا تلين ولا تعترف بالمستحيل غير آبهة بما قد يعترض طريقها من محاولات للتشويش، لأنها تستلهم دائماً إرث وعطاء زايد وتستند إلى ما حققه من معجزات، وتستنير برؤية قيادة حكيمة طموحة لا ترضى بغير الصفوف الأولى، وتعتمد على سواعد أبناء عاهدوا الله ثمّ قيادتهم على الإخلاص والوفاء والعطاء بكل ما أوتوا ليظل اسم الوطن عالياً ورايته خفاقة فوق الذرى.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.