اعتمد وزراء البحث العلمي في الاتحاد الأوروبي، ميزانية لمقترحات مشاريع فضائية مستقبلية، على مدار السنوات الخمس القادمة، بلغت قيمتها حوالي 16 مليار دولار أميركي (أي ما يعادل 60 مليار درهم تقريباً)، خلال اجتماعهم نهاية الشهر الماضي في مدينة «إشبيليه» بجنوب إسبانيا. وشملت المقترحات المستقبلية عدة مشاريع، مثل مشروع اكتشاف المزيد من الفضاء الخارجي، إما بالاعتماد على طواقم بشرية، أو طواقم من الروبوتات، والمعروف باسم «مشروع آرتميس» نسبة إلى إله القمر لدى اليونانيين القدماء. ويعتقد أن تكلفة هذا المشروع ستبلغ أكثر من 2 مليار دولار، كما يتوقع أن تؤدي فيه وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) دوراً محورياً بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، بهدف إنزال عدد من رواد الفضاء على سطح القمر مرة أخرى.
المشروع الثاني في بنود الميزانية الأخيرة، معني بسبل السفر عبر الفضاء الخارجي، وبالتحديد توفير الدعم المالي لتطوير المركبات الفضائية «آريان 6» و«فيجا سي»، والذي سيقع العبء الأكبر فيه على عاتق كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وبتكلفة تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار. ويتضمن أيضاً هذا المشروع، خطة إيطالية لتطوير مكوك فضائي آلي، صغير الحجم، يطلق عليه اسم «فارس الفضاء»، وسيوظف لتكرار نقل حمولة صافية إلى الفضاء الخارجي، ذهاباً وإياباً. وبالفعل تم إطلاق نموذج تجريبي لهذا المكوك سابقاً، ويتوقع أن يتم إطلاق النسخة النهائية منه في عام 2022.
المجال الثالث الذي سيتم توفير الدعم المالي له ضمن الميزانية الأخيرة، وبقيمة 3.1 مليار دولار، هو ما يطلق عليه علوم الفضاء البحتة أو الأساسية، والذي يتوقع أن تساهم فيه جميع الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية. وكنتيجة للإدراك بأهمية هذا المجال، تمت زيادة المخصصات المالية لدعمه بنسبة 10 في المئة، وهو ما يعتبر أول زيادة حقيقية خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. ويتوقع لهذا الدعم أن تنتج عنه فوائد جمة لعدد من المراصد الفلكية الحديثة، مثل المرصد أو التيلسكوب الذي تبنيه وكالة الفضاء الأوروبية ويعمل بأشعة «إكس» ويطلق عليه لقب «أثينا»، بالترافق مع كوكبة من الأقمار الاصطناعية تعرف باسم «ليزا» ويمكنها استكشاف موجات الجاذبية الناتجة عن تصادم الثقوب السوداء، وهو ما سوف يصبح ممكناً في عام 2031.
المجال الآخر الذي تضمنته الميزانية الأخيرة لوكالة الفضاء الأوروبية، يتعلق بالأمن والسلامة للبنية التحتية الفضائية، ولكوكب الأرض ذاته، وبدعم يصل نحو 600 مليون دولار. ومن بين المشاريع التي سيتضمنها هذا المجال، مقترح قمر اصطناعي موجه تجاه الشمس، للتحذير من الانفجارات الشمسية الشديدة، والتي قد تسبب تلفاً في الأقمار الاصطناعية، وأن تعطل عمل وسائل الاتصال بموجات الراديو على سطح الأرض، وأن تتداخل مع فعالية واستمرارية عمل شبكات التغذية الكهربائية للمدن والقرى. المشروع الآخر تحت هذا المجال، هو مشروع مراقبة النيازك والشهب كبيرة الحجم، والتي يمكن أن تصطدم بكوكب الأرض، وأن تدمر الحياة فيها عن بكرة أبيها. وبالفعل تم وضع إطار لمهمة في هذا الشأن، سوف تقوم بداية بزيارة نيزك تم قصفه مسبقاً من قبل وكالة الفضاء الأميركية، لمعرفة تأثير هذه التجربة السابقة، والاستفادة منها في أية محاولات مستقبلية لتغيير مسار النيازك الضخمة ومنع اصطدامها بكوكب الأرض.
ومن أكثر المشاريع إثارة، وربما أكثرها أهمية، مشروع منظومة متخصصة من الأقمار الاصطناعية المعنية بمراقبة مستوى غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتحديد مصادره، سواء أكانت طبيعية أم كانت ناتجة عن نشاطات بشرية. وأُطلق على هذا المشروع اسم «كوبرنيكوس»، نسبة إلى العالم البولندي الشهير الذي عاش في القرن السادس عشر، وقدّر حسابياً أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. وتم تخصيص ملياري دولار لهذا المشروع، في ظل تزايد المخاوف من ظاهرة الاحترار العالمي الناتج عن الاحتباس الحراري بسبب ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وما سيتبعه من عواقب وخيمة جراء التغيرات المناخية المتوقعة. ويتوقع أن يتم إطلاق هذه المنظومة، والتي تدعى «حراس الفضاء» (Sentinel) بعد خمسة أو ستة أعوام، للتزامن مع بدء مبادرة تقدير انبعاث الغازات حول العالم والتي ستبدأ في عام 2028 كجزء من اتفاقية باريس المناخية. وستتيح التطورات التكنولوجية الأخيرة زيادة مساحة عمل منظومة الأقمار الاصطناعية المتخصصة في مراقبة انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، من 200 إلى 300 كيلومتر، وزيادة دقة مسوحاتها لحد 2 كيلومتر فقط، وهو ما سيمنح جميع دول العالم صورة حقيقية ودقيقة عن حجم ومصادر ومناطق الانبعاثات داخل أراضيها، ويمنحها فرصة اتخاذ الإجراءات الفعالة تجاه خفض مساهمتها في إنتاج الغازات المسببة للتغير المناخي المتوقع.