قبل ما لا يزيد على خمس سنوات، كانت الهند أسرع اقتصادات العالم نمواً. لكن القوة الاقتصادية الجنوب آسيوية تشهد فجأة تباطؤاً ليس فقط بسبب الرياح المعاكسة العالمية، ولكن أيضاً بسبب المشكلات الهيكلية في الاقتصاد. في أنباء غير جيدة بالنسبة لحكومة «ناريندرا مودي»، تباطأ النمو الاقتصادي في الهند إلى 4.5% في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وهي أبطأ نسبة في ستة أرباع وبعيداً تماما عن النمو البالغ 8.1%، الذي حققته البلاد في بداية عام 2018.
بالنسبة للهند، التي تعاني بالفعل من بطالة الشباب، فإن تباطؤ النمو يمثل صداعاً إضافياً يجب معالجته. وعلى الرغم من أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لاتخاذ تدابير عاجلة لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح، إلا أن هذه الخطوات التي تتضمن خمسة تخفيضات في أسعار الفائدة لم تساعد على وقف تراجع النمو على الفور. فقد قام بنك الاحتياطي الهندي بخفض أسعار الفائدة خمس مرات هذا العام. كما اتخذت الحكومة سلسلة من الخطوات الأخرى لدفع النمو وجذب الاستثمارات بما في ذلك فتح مختلف القطاعات للاستثمار الأجنبي في مجالات تجارة التجزئة والتصنيع وتعدين الفحم، وقامت بدمج عشرة بنوك مملوكة للدولة لإنشاء أربعة كيانات كبيرة للإقراض. كما أعلنت الحكومة عن إنشاء صندوق بقيمة 1.4 مليار دولار لإنقاذ المشاريع العقارية المتوقفة وخفض ضريبة الشركات، بيد أن كل هذه التدابير لم توقف النمو المتعثر.
وقد وعد وزير المالية في البلاد الآن باتخاذ سلسلة من التدابير لتعزيز النمو، بما في ذلك زيادة الإنفاق العام، وتقديم الحوافز لتعزيز الطلب وزيادة الدخل، وأيضاً سن قانون ضرائب أكثر بساطة. ويعد تباطؤ الاستهلاك من المجالات الرئيسية التي تدعو للقلق بشأنها. فقد انخفض إنفاق المستهلكين في الهند لأول مرة في 2017-18 بعد أكثر من أربعة عقود.
واتخذت الحكومة قرارين رئيسيين على عجل يُرى أنهما أضافا إلى مشاكل الهند الاقتصادية. هذان القراران هما إلغاء تداول العملات الورقية ذات الفئات الكبيرة في عام 2016 وتبعه فرض متسرع لضريبة السلع والخدمات. واعترفت الحكومة الآن بأن الضريبة، التي تحتوي على شرائح متعددة، معقدة وتحتاج إلى مزيد من التبسيط.

ويضاف إلى هذا المناخ الاقتصادي الغامض تحول المسار في مشاريع البنية التحتية الضخمة بعد تغيير الحكومات في عدد من الولايات. تقوم الحكومة الجديدة لولاية «مهاراشترا» بمراجعة مشروع القطار فائق السرعة الذي تقدر تكلفته بعدة مليارات من الروبية والذي تنفذه الهند بالتعاون مع اليابان، وذلك بعد أسابيع فقط من إلغاء مشروع آخر ضخم عالي التكلفة في ولاية أخرى. فقد ألغت حكومة ولاية «أندهرابراديش» الشهر الماضي مشروعات مشتركة مع كونسورتيوم سنغافوري لتطوير المركز التجاري «أمراواتي»، وعاصمة ولاية «أندهرابراديش»الجديدة. وتأتي مراجعة مشروع القطار فائق السرعة، الذي كان يدعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قبل أقل من أسبوعين من زيارة رئيس وزراء اليابان «شينزو آبي»، الذي حضر احتفالاً رائداً لتدشين المشروع في العام الماضي.
وأعلن كبير وزراء ولاية «مهاراشترا»، الذي ألغى بالفعل مشروعاً مثيرا للجدل لإنشاء موقف للقطارات، والذي كانت حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا» السابقة قد بدأته، عن مراجعة مشروعات البنية التحتية على خلفية الديون التي تواجهها الولاية والتي تقدر قيمتها بمليارات الروبيات. أما مشروع القطار فاق السرعة، الذي سيشهد إدخال اليابان لتكنولوجيا «شينكانسن» إلى الهند، فتبلغ تكلفته 16 مليار دولار. وقد وعدت اليابان بتقديم قرض يغطي 81% من تكلفة المشروع بفائدة نسبتها 0.1% سنويا مع فترة سداد تمتد إلى 50 عاما. ومع ذلك، فإن المشروع الذي يشمل إنشاء نفق بطول 21 كم، منه 7 كم تحت سطح البحر، واجه معارضة من قبل المزارعين والقبائل الذين رفضوا التخلي عن أراضيهم من أجل المشروع. وقد أضاف إلغاء «أمراواتي» إلى حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وما زالت الحكومة تأمل أن تساعد سلسلة من التدابير الجديدة الاقتصاد الهندي على المدى الطويل. ويرى الخبراء أن الهند تحتاج إلى نمو مركب بنسبة 14% لزيادة حجم اقتصادها إلى 5 تريليونات دولار في خمس سنوات، وهو هدف الحكومة المعلن عنه. وفي الوقت نفسه، اتخذت الحكومة نهجاً حمائياً. فلا يقتصر الأمر على خلافها التجاري مع الولايات المتحدة فحسب، بل إنها قررت أيضاً التباطؤ في صفقات التجارة الحرة. فهي تتحرك ببطء في اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي وفي الآونة الأخيرة قررت عدم توقيع اتفاق «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة».
يتعين على الهند ضمان أنها لن تُترك عند إبرام اتفاقات تجارية كبيرة في المستقبل القريب. ويعتقد البعض أن العلاج يتمثل في فتح الإنفاق الحكومي لدفع النمو الاقتصادي. من الواضح أن الاقتصاد، الذي يتضمن عدم خلق فرص عمل، هو التحدي الأكبر الذي يواجه رئيس الوزراء «مودي» في هذه المرحلة. لقد عاد إلى السلطة بتفويض هائل ولم يعد بإمكانه إلقاء اللوم على الحكومة السابقة بقيادة حزب «المؤتمر» كونها السبب في المشاكل الاقتصادية. لقد أمضى خمس سنوات، وأمامه الآن خمس سنوات أخرى في السلطة. ويجب عليه إعطاء أولوية لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي