العراق بلد عربي قوي مؤسس لجامعة الدول العربية، وعضو في أكثر من منظمة واتحاد عربي ودولي، وصاحب حضارة عريقة وتاريخ طويل وموروث ضارب في عمق الجذور والأصالة، عمره يمتد إلى أكثر من سبعة آلاف عام، وقد صال وجال في الدفاع عن قضايا العالم العربي في أكثر من معركة وميدان ومحور وموقع، ودفع من دماء أبنائه في معارك عديدة داخل العراق وخارجه الكثير، إيماناً منه بدوره القومي والمبدئي حيال أمته.
ويتكون المجتمع العراقي من قوميات وأديان ومذاهب وعرقيات وإثنيات وطوائف عديدة.. مختلفة، وهو نسيج اجتماعي متنوع وخليط من قوميات ولغات وديانات عديدة.. مختلفة، لكنها تنصهر في بوتقة واحدة تحت مظلة الهوية الوطنية العراقية وفي إطار دولة سيادة القانون.. مما جعله يتصف بميزة التنوع والتباين في ظل التجانس والانسجام.
وقد تعاقبت على هذا البلد العربي حكومات عدة، ملكية وجمهورية، سواء عن طريق الانتخابات الشرعية أو عبر الانقلابات العسكرية، وتشكلت له حكومات برئاسات عربية وكردية (إسلامية ومسيحية ومن ديانات أخرى).
وتعرضت بلاد الرافدين لمحاولات كثيرة على مر التاريخ لطمس هويتها الوطنية والعربية سعياً لتفكيكها وتمزيقها وثنيها عن دورها الريادي المعروف، نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي المتميز، ولامتلاكها ثروات طبيعية هائلة (نفطية وغيرها). وقد تم استبعاد العراق أكثر من مرة لكي لا يكون قوياً ومتماسكاً ومؤثراً، وطنياً وقومياً، كما جرت محاولات عديدة لإبعاده عن محيطه العربي بالإكراه. فالتكوين الفسيفسائي للمجتمع العراقي أعطاه خصائص عدة تجلت في تنوعه الفكري والثقافي والاجتماعي والفني.. وجعلته محط أنظار العالم، لاسيما بالنظر لثروته البشرية ومخزونه التاريخي من الأعمال الفنية والفكرية والآثار الثمينة.
وفي فترة من الزمن مرّ العراق بظروف صعبة جعلت منه ساحة للتناقضات والمعارك والمنازعات والتناحرات والانقسامات.. فظهرت الجماعات والمرجعيات الدينية وأصبحت تسن له القوانين وتشرّع له الأنظمة، مما أوجد قرارات وأوامر طائفية أحادية، رغم أن العراق بلد متعدد الطوائف وذو نظام أشبه ما يكون بـ«العلماني»، نظام متحضر تحكمه الدساتير المدنية والقوانين الوضعية، حسب رغبة المجتمع ذي التكوين المتنوع، دينياً وعرقياً وطائفياً.
ورغم ما مر على العراق من حروب ومحن وانكسارات، فإنه لا يزال يصارع القوى المتنفذة المفروضة عليه، محاولاً أن يعود من جديد ذلك البلد العريق كـ«طائر العنقاء»، لكي ينهض من كبوته بقوة وجبروت وكبرياء وأنفة وشموخ ونضوج وطني وقومي، كما عرف عنه تاريخياً عبر العصور، ليمارس دوره الريادي بكل جدارة واقتدار وتفرد وتميز كما عهدناه وخبرناه.
وبعد سنوات من غزوه عام 2003 حيث أصبح تحت الوصاية الأجنبية، نهض العراق مؤخراً ليثبت رفضه أن يكون تابعاً أو خاضعاً لأحد أو لأن يوجد مَن يفرض عليه إملاءات السمع والطاعة والتخلي عن تاريخه العظيم وموروثه المشرف ودوره الريادي المعروف عنه. إنه عراق العروبة وليس عراق الطائفية أو المذهبية!

*كاتب سعودي