القمة الخليجية الأولى تعمقت في أبوظبي من غرس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والقمة الأربعون كما جاءت في الكلمة الافتتاحية «استضافة السعودية للقمة تأتي تلبية لرغبة الإمارات»، هكذا يستمر زرع زايد في مسيرة أبنائه، فقد لبت شقيقة الخليج الكبرى رغبة حكومة الإمارات وفاءً لعهد زايد حكيم العرب.
بعد أربعين عاماً من العمل الدؤوب آن أوان قطف الثمار، فالإمارات والسعودية أصبحتا أقرب إلى تحقيق طموحات شعبيهما بعد تأسيس اللجنة التنسيقية العليا منذ ثلاث سنوات فاضت بالكثير من المشروعات العملاقة بين البلدين في توأمة مستدامة منقطع النظير.
مجلس التعاون اليوم يعد من أنجح المنظمات السياسية على مستوى العالمين العربي والإسلامي، وخاصة في مجال التعامل مع التحديات بحكمة واقتدار.
لقد استطاع محمل الخير عبور محيطات شرور الإرهاب والتطرف الناتج من «الربيع»، الذي دلس على الأمة ودنس فكرها باسم الدين.
صخرة التعاون الصلدة كانت لهم بالمرصاد، وهي التي تفجرت من خلالها أنهار الاعتدال والتسامح والانفتاح، بنبذ كل أشكال العنف والتزمت والعفن الفكري للكثير من تيارات الإسلام السياسي التي أرادت قلع أشجار الأوطان من الجذور.
لقد حدث تغيير جذري في سلوك الوعي الرشيد مما يدور من حولنا، في أحداث تسابق الزمن، وخاصة لدى أجيال الشباب الذين يمثلون أكثر من 70% من إجمالي سكان دول الخليج، والذي أطلق عليهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الثروة المستدامة عندما يُصدر آخر برميل نفط من الإمارات.
قبل أربعين عاماً على وجه التحديد كنت في ضيافة إحدى المسرحيات الوطنية بالدولة، وبجانبي شاب من السعودية، بادرني بالسؤال التالي: هل يمكن أن يأتي يوم وتلغى فيه الجوازات كوثيقة تنقل بين دول الخليج؟!
فأجبته بالإيجاب، وبعد عقود تحل الهوية بدلاً عن الجواز بين الدول الشقيقة، فوددت اليوم أن أقابل ذلك الشاب الستيني لكي أقول له، نحن اليوم اختلطت دماء أبنائنا في ساحة «الحزم وإعادة الأمل»، فهي الهوية الوفية التي تفوق تلك الرسمية.
فلولا مظلة مجلس التعاون لما سمعنا بهذا الهمس من الوعي يخرج إلى العلن وفقاً لتطلعات الشعوب التي آمالها على رأس أولويات القيادة الرشيدة.
حضرت فعاليات «تحدي القراءة العربي»، التي يشارك فيها ملايين العرب من مختلف الأقطار، وفي ساعة استراحة قصيرة كنت في غرفة الضيافة ومن خلفي شاب سعودي في سن أبنائي ينظر إليّ على خجل ولم يكن ينظر إليّ، بل إلى شعار عام التسامح الذي يفتخر به المواطنون على صدورهم، وقال لي: أنا طالب علوم سياسية في جامعة الرياض سنة أولى، فهل لي بهذا الشعار الذي أبحث عنه منذ فترة طويلة، فيكفي أننا روحين في جسد واحد.
هذه الروح الوقادة من أعظم إنجازات دول مجلس التعاون في أربعينيتها المفرحة. وهذه من أصعب الإنجازات تحقيقاً كونها تتعلق بالمشاعر والأحاسيس الدفاقة، إذا ما تمت مقارنتها بالمنجزات المادية.
المهم في مرحلة ما بعد الأربعين، أي بعد أن بلغ نضج مجلس التعاون أوجه التركيز على المنجزات المعنوية، والتي ترتبط بالتركيز على غرس المزيد من بذور الوعي بأهمية التكتلات السياسية وخاصة في زمن يتكالب من حولنا الطامعون والحريصون على تفرقنا من بعد هذا الاجتماع والتآلف.
هذه «الأربعينية» سماها «مونتسكيو» هذا العصر العلامة ابن خلدون بالمرحلة المفصلية في طريق العمران البشري وهو وفقاً لمصطلحات هذا الزمن «رأس المال الاجتماعي»، الذي ينبغي مراجعة الخطط والاستراتيجيات الخاصة به في أروقة المجلس لغرض الإضافة النوعية الفارقة في المستقبل الذي نصنعه اليوم لنجني ثماره في الغد القريب، وهو يعطي المجلس متانة وعراقة في قابل أيامه المشرقة.