قضت أونج سان سو كي ما يقرب من عقدين من الزمن رهن الإقامة الجبرية حين كان مجلس عسكري يحكم ميانمار. والآن تذهب الفائزة بجائزة نوبل للسلام والمدافعة السابقة عن الديمقراطية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لتدافع عن بعض من الجنرالات أنفسهم الذين حددوا إقامتها، وتدافع عن بلدها ضد مزاعم التطهير العرقي. ويرى كثيرون في الغرب أن قرار «سو كي» بالدفاع شخصياً عن تطهير ميانمار لطائفة الروهينجا يتمم انتقالها من رمز للأمل إلى سفيرة للكراهية. وبتوليها منصب بارز في حكومة تخضع لنفوذ عسكري كبير، دعمت «سو كي» الجيش وحملته ضد الروهينجا، مما جعل الولايات المتحدة وبريطانيا وآخرين يعيدون النظر في تقييم الزعيمة التي ظلوا يكنون لها تقديراً كبيراً على مدار سنوات.
لكن في ميانمار، عزز قرار «سو كي» مكانتها كزعيمة قبيل انتخابات العام المقبل مما يؤكد الكراهية التي تكنها الأغلبية البوذية في البلاد للأقلية المسلمة في أغلبها، وعزز أيضا الاعتبارات المحلية التي تجعل ظهورها هدفه سياسي. وأثناء مغادرتها للبلاد وتوجهها إلى المحكمة التابعة للأمم المتحدة، حضر الآلاف اجتماعات حاشدة لدعم مهمتها ملوحين بلافتات ومرددين هتافات تأييد. واعتزم البعض السفر إلى هولندا. وعُقد اجتماع ديني احتفاء بها في معبد بوذي.
والعملية العسكرية ضد الروهينجا في ولاية راخين دفعت ما يقرب من مليون إلى الإقامة في معسكرات بائسة في دولة بنجلاديش المجاورة في غمرة مزاعم بالاغتصاب والقتل العشوائي والتعذيب. وصرح خبراء قانونيون أن البلاد تواجه الآن عملية حساب قد تطال «سو كي» رغم أنه من المرجح أن يستغرق صدور الحكم سنوات. ويرى «برام-بريت سينغ» المدير المساعد لبرنامج العدل الدولي في منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنها «المرة الأولى التي يتعين عليهم فيها أن يجيبوا عن أعمال الجيش الوحشية في ولاية راخين في محكمة ذات مصداقية».
وتقدم بالقضية في محكمة العدل الدولية دولة جامبيا الأفريقية الصغيرة بدعم من منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا. وتحرك جامبيا يعد مثالاً نادراً على مقاضاة دولة لأخرى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وهي المرة الأولى التي تتقدم فيها دولة ليس لها صلة مباشرة بالأعمال الوحشية المزعومة بقضية أمام محكمة العدل الدولية. ويرى «سينغ» أن جامبيا «بطل غير مرجح فتح الباب وعبد الطريق الذي لم يكن موجوداً من قبل». وتأتي جلسات المحكمة ضمن محاولات دولية قانونية متعددة لمساءلة مسؤولي ميانمار. وفي نوفمبر الماضي، صرح قضاة المحكمة الجنائية الدولية لمدعين بأن يدشنوا تحقيقاً بشأن جرائم ضد الإنسانية في معاملة الروهينجا. وظهور «سو كي» في الجلسات من العلامات البارزة للعملية. ودفاعها الذي من المقرر أنها بدأت يوم أمس 11 ديسمبر سيكون واحداً من المرات الأولى التي يخاطب فيها زعيم قومي بشخصه المحكمة التي عقدت أولى جلساتها عام 1946.
ويرى محللون وأشخاص على دراية بطريقة تفكير «سو كي» أن الاعتبارات المحلية تفسر إلى حد كبير قرارها بأن تقدم الشهادة بنفسها. وتتضمن هذه الاعتبارات الرغبة في تعزيز التأييد الذي تحظى به شخصياً والتأييد لحزبها واسترضاء الجيش الذي يتمتع بنفوذ على الوزارات المحورية، والذي اعترض تغيرات دستورية مقترحة تلغي دوره المنيع في السياسة وتسمح رسميا لـ«سوكي» بأن تصبح رئيسة. ويرى المحللون أن «سوكي» تنظر إلى نفسها باعتبارها الشخص القادر على، والذي يجب عليه، مواجهة الانتقادات الدولية الشديدة.
ويعتقد «ريتشارد هورسي»، المحلل السياسي المقيم في «يانحون» أن «أونج سان سو كي تعتقد أنها الشخص الأكثر قدرة على تمثيل قضية ميانمار في لاهاي باعتبارها وزيرة للخارجية. وهي تفهم بلا شك أهمية هذه اللحظة لمكانة ميانمار الدولية لكن سيتعين عليها أيضا أن تراقب جمهورها المحلي». وذكرت صحيفة «جلوبال نيو لايت أوف ميانمار» التابعة للدولة في تقريرها عن توجه «سو كي» إلى المحكمة أن الزعيمة الميانمارية ستتصدى للقضية «للدفاع عن المصالح القومية». وكان زعماء ميانمار قد أعلنوا أن المحاكم الدولية ليس لها سلطان قضائي على القضية وأنكروا وجود حملة مدبرة ضد الروهينجا مجادلين بأنهم كانوا يردون على تهديد أمني لنشطاء.
ويعتقد «كوبساك تشوتيكول» وهو برلماني تايلاندي متقاعد ودبلوماسي عمل في المجلس الاستشاري الذي شكلته «سو كي» بعد أزمة الروهينجا أن قرارها باغت زعماء الجيش فيما يبدو لدرجة أنهم عقدوا «جلسة أمن قومي» ليصبح الجميع في صف واحد. وأضاف «تشوتيكول» أن هذا «يحمل علامات النصح الذي قدمته دائرتها الداخلية المقربة من المستشارين الغربيين الخاضعين للمراقبة الذين ربما كانوا أكثر اهتماما بمسائل الصور والمفاهيم الدولية. فقد نصحوها بأن تقدم قصة هناك وتستغل شهرتها لتخنق المنتقدين وموجهي الاتهامات. كما أن الجيش أصبح مديناً لها الآن».
لكن المناورة خطيرة في الوقت الذي يسعى فيها المجتمع الدولي عبر وسائل مختلفة لإخضاع ميانمار للمساءلة. فقد أيد مجلس النواب الأميركي عام 2018 بشكل كاسح قراراً يؤكد أن طرد الروهينجا يمثل تطهيراً عرقياً. وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في يوليو الماضي فرض عقوبات على قيادات من الجيش لاتهامهم بارتكاب «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». ولم تشمل بعد العقوبات «سو كي» التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع «ميتش مكونيل» زعيم الأغلبية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ. ويعتقد دبلوماسي غربي بارز سابق عمل مع «سوكي» عن قرب أن «من المشكوك فيه على أحسن الأحوال» أن تؤدي حسابات «سو كي» إلى ما تأمله. وأضاف «في النهاية، فالذهاب إلى لاهاي خطير للغاية وربما يربطها بالأعمال الوحشية الجماعية في العقل الدولي عن ذي قبل».
وبالنسبة للاجئين الروهينجا ومن بقي منهم في ميانمار تمثل الجلسات سبباً للتفاؤل الحذر. فقد قال «خين ماونج» المشارك في تأسيس «اتحاد شباب الروهينجا» في معسكرات بنجلاديش «فقدنا الأمل والثقة في حكومة ميانمار لكن لدينا بعض الأمل الآن أخيراً في محكمة العدل الدولية».
شيباني مهتاني ومايكل بيرنباوم
شيباني مهتاني* ومايكل بيرنباوم**
*مراسلة واشنطن بوست في جنوب شرق آسيا.
**رئيس مكتب واشنطن بوست في بروكسل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»