تشهد العاصمة أبوظبي منذ يوم الاثنين الماضي، فعاليات الاجتماع العالمي الثاني للشبكة الدولية للسلطات المعنية بسلامة الغذاء «إنفوسان»، والذي تنظمه «هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية»، برعاية ودعم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، رئيس مجلس إدارة الهيئة، بهدف تعزيز الترابط بين السلطات المعنية بسلامة الأغذية للحد من المخاطر التي قد يحملها الغذاء اليومي في طياته.
ويأتي هذا الاجتماع الدولي المهم انطلاقاً من إيمان الهيئة بدور شبكة الإنفوسان، في ضمان الأمن والسلامة الغذائية على المستوى الدولي. فبسبب الطبيعة الدولية لهذه الشبكة، غالباً ما يتم التواصل والتنسيق والتعاون بين أعضائها بشكل إلكتروني، أو من خلال الهواتف، ولم يلتق جميع أعضاء الشبكة وجها لوجه إلا مرة واحدة منذ عشر سنوات، خلال الاجتماع الأول الذي نظمته حينها هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، واستضافته أرض العاصمة أبوظبي. وسيوفر هذا الاجتماع الأخير، فرصة فريدة وثمينة لأعضاء شبكة الإنفوسان، لمناقشة التحديات الحالية، وما تحقق من إنجازات، وسبل دعم وتقوية الشبكة، بهدف حماية المصادر الغذائية الدولية، وخفض المضاعفات الصحية الناتجة عن الأمراض المنقولة بالغذاء.
ولإدراك مدى وحجم العبء الناتج عن هذه الطائفة من الأمراض، يكفي أن نعرف أن 600 مليون شخص، أي تقريباً واحد من كل عشرة أشخاص، يتعرضون سنوياً للإصابة بأحد أنواع الأمراض المنقولة بالغذاء، ويلقى من بين هؤلاء 420 ألفا حتفهم بسبب مرضهم.
وللأسف، يتحمل الأطفال دون سن الخامسة العبء الأكبر من الأمراض المنقولة بالغذاء، أو 40 في المئة بالتحديد، حيث يتوفى 125 ألفاً سنوياً من أفراد هذه الفئة العمرية، بسبب مرض انتقل إليهم مع غذائهم. وبخلاف هذا الثمن الإنساني الفادح، تشير التقديرات إلى أن الأمراض المنقولة بالغذاء، تكلف اقتصادات الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل نحو 100 مليار دولار سنويا (370 مليار درهم)، وفي 28 من هذه الدول - بعضها من أفقر دول العالم- يتحمل الاقتصاد الوطني خسائر تتعدى ال500 مليون دولار، على حسب دراسة صدرت عن البنك الدولي. ولذا، وبالنظر إلى الثمن الإنساني، والخسائر الاقتصادية الهائلة، تعتبر الأمراض المنقولة بالغذاء، واحدة من أهم قضايا الصحة العامة، على الصعيد الوطني، والإقليمي، والدولي. ليس فقط في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، بل أيضا في أغنى دول العالم، وأكثرها صرامة في تطبيق تدابير وإجراءات السلامة الغذائية، مثل الدول الأوروبية والدول الصناعية، والتي تتمتع أيضا ببعض من أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم.
ومن أكثر أنواع الأمراض المنقولة بالغذاء انتشارا، التسمم الغذائي، والذي يمكن تقسيمه إلى نوعين رئيسيين: نوع ينتج عن وجود ميكروب أو جرثومة في الغذاء، ونوع آخر ينتج بسبب وجود سموم في الغذاء، سواء كانت هذه السموم اصطناعية أم طبيعية أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات. وهو ما يعني أن النوع الأول هو في حقيقته نوع من العدوى التي تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بالميكروب أو الفيروس أو الطفيلي، تغزو على إثرها هذه الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، لتسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم تظهر فيه الأعراض والعلامات بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراب أعضائه وأجهزته الحيوية. وهذا السم، إما أن يكون مادة كيميائية لوثت الغذاء بشكل مباشر، أو أن يكون ناتجاً من ميكروبات وجراثيم كانت تعيش على الغذاء الفاسد، ثم أنتجت سموماً كجزء من مخلفاتها الأيضية.
وجدير بالذكر أن الاجتماع العالمي الثاني للشبكة الدولية للسلطات المعنية بسلامة الغذاء، قد حظي بمشاركة 230 خبيرا ومسؤولا يمثلون 135 دولة مختلفة، و35 ممثلاً عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة الزراعة والغذاء والبنك الدولي، إلى جانب ممثلين عن السلطات المحلية المعنية بسلامة الأغذية، بهدف دراسة تشكيل لجنة إقليمية تختص بالسلامة الغذائية على مستوى منطقة الخليج العربي والدول العربية، وتعزيز التنسيق وتبادل المعلومات في حالات الطوارئ العالمية المتصلة بسلامة الغذاء، إلى جانب دراسة تحسين الهيكل الحالي للشبكة وتحديد مواطن القوة ومجالات التحسين.
وعلى الصعيد المحلي تضع القيادة الرشيدة في الدولة نصب أعينها، تفعيل إجراءات وتدابير السلامة الغذائية، وتحسين النظم الغذائية. ومن هذا المنطلق، تواصل الإمارات مساعيها الحثيثة لتحقيق أعلى معدلات السلامة الغذائية، وضمان وصول غذاء آمن وسليم ومغذٍ للمجتمع في كل الظروف والأوقات، وذلك عبر اتخاذ حزمة واسعة ومتنوعة من التدابير، تشمل تعزيز الأطر التشريعية، والمؤسسية، وآليات الرقابة على المواد والمنتجات الغذائية، وجهود التوعية، بالإضافة إلى تطوير الآليات المتعلقة بتبادل البيانات الخاصة بسلامة الغذاء.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية