لم يأتِ ما تتمتّع به الإمارات من مقوّمات التطوّر والازدهار والحياة الكريمة لكل من يعيش على أرضها من فراغ، ولم يكن وليد المصادفة، بل هو نتيجة حتمية لسياسة حكيمة تنتهجها قيادة راشدة همّها الأول إسعاد شعبها وكل من يعيش على أرضها، وثمرة جهود جبارة، وعمل دؤوب لا يفتر، ويصل الليل بالنهار لنساء ورجال جعلوا من صون حرمات الدم والمال والعرض أولويّتهم التي لا يتقدّم عليها شيء، والسطر الأول في أجندات حياتهم اليومية، ليبقى الوطن واحة أمن وأمان ونموذج تعايش واستقرار.
ولا غرابة في أن تُعرف الإمارات إقليمياً وعالمياً بأنها بلد الأمن والأمان، وأن تُحقق أعلى المعدّلات العالمية في مجال الشعور بالأمان ففيها يطمئن الإنسان مهما كان دينه وعرقه ولونه على نفسه وأسرته أولاً، ثمّ على كل شؤون حياته، وينصرف مرتاح البال إلى السعي في مناكبها بحثاً عن رزقه وتدبيراً لمصالحه، حتى باتت هذه الأرض الطيبة محط أنظار الناس من شتى أصقاع الأرض ممن ينشدون بيئة تدعم الإبداع وحبّ الحياة وتقدّر قيمة الإنسان وتعلي شأنه.
واعتمدت الإمارات في سعيها لإرساء قواعد راسخة للأمن والأمان، ثلاثية متكاملة تمثّلت بالوقاية عبر نهج العدل بين الناس وترسيخ مبدأ سيادة القانون ونشر قيم التسامح والمودة والإخاء وقبول الآخر، والردع عبر سن القوانين والتشريعات الرادعة لكل من تسوّل له نفسه العبث بأمن البلاد، والتنفيذ من خلال بناء أجهزة لتحقيق العدالة وإنفاذ القانون وإعدادها وتدريبها بأفضل ما يكون الإعداد وتزويدها بالتقنيات الأحدث على مستوى العالم في مجال مكافحة وملاحقة الجريمة والتعامل مع مرتكبيها.
وتأتي في هذا الإطار، استضافة الإمارات بداية الأسبوع الجاري فعاليات المؤتمر الدولي للحد من الجريمة، وهو الأول من نوعه في المنطقة، وقد افتتحه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بقوله: «نحن بلاد الأمن والأمان بفضل العيون الساهرة على حماية المجتمع ومكتسبات الوطن، ونسعى دائماً لتعزيز التعاون مع كل الشركاء، بهدف تعزيز الأمن محلياً وإقليمياً وعالمياً، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، وتوظيف أحدث التقنيات والإمكانات للتصدي للجريمة بكل أشكالها»، حيث تؤكّد هذه الاستضافة ريادة الدولة في مجال التخطيط الاستراتيجي الأمني.
المؤتمر النوعي الذي شاركت فيه نخبة من القادة الشرطيين الذين يمثلون الشرطة الدولية «الإنتربول»، وقادة الشرطة الأوروبية «اليوروبول»، والجمعية الدولية لقادة الشرطة، إلى جانب قيادات شرطية على مستوى وزارة الداخلية في الدولة، طرح عبر محورين، مجتمعي وجنائي، العديد من الرؤى المستقبلية التي تسهم في دعم منظومات الأمن والأمان ومكافحة الجريمة والحدّ منها، وقد تضمّنت في الجانب المجتمعي اعتماد الأساليب الذكية للحد من الجريمة، وتعزيز دور الشرطة المجتمعية وأفضل التجارب في هذا المجال، وبحث في الجانب الجنائي استعدادات دبي لمعرض إكسبو الدولي 2020، وتبادل أفضل الممارسات في مجال منع الجريمة وطرق مكافحة الجرائم الإلكترونية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحد من الجرائم.
كما سلط المؤتمر من خلال أوراق عمل قدّمها 50 متحدثاً رئيساً من 45 دولة في العالم، الضوء على منظومة مكافحة الجرائم المنظمة، وأهمية تعزيز العلاقات الدولية في مجال الحد من ارتفاع معدلات الجريمة، وخصوصاً في عالم اليوم الذي يشهد طفرات كبيرة ومتسارعة في مجال التقنيات الحديثة يستغلّها المجرمون في تنفيذ جرائمهم، الأمر الذي أدى إلى ظهور أشكال وأنواع جديدة لم تكن مألوفة من الجرائم، من حيث كيفية تنفيذها وسرعة انتقالها والتقنيات المستخدمة فيها.
انعقاد المؤتمر في الإمارات هو بمنزلة اعتراف عالمي بالنجاح الذي حققته استراتيجياتها الأمنية، ونتائجه تمثّل إنجازاً جديداً يسجّل لها على صعيد تعزيز الأمن على مستوى العالم، وخصوصاً في مجال توسيع مجالات تبادل المعلومات والبيانات، وسرعة تسليم المجرمين والمطلوبين للعدالة، وتوفير قنوات اتصال فعالة بين الأجهزة المعنية، وتطويع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتنفيذ خطوات استباقية رادعة للمجرمين.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.