ضيوف كبار من مختلف بلدان أميركا اللاتينية التقوا في بوينس إيريس الثلاثاء الماضي بمناسبة تنصيب الرئيس الأرجنتيني الجديد ألبيرتو فيرنانديز. ولكن رئيس أكبر وأهم جار للأرجنتين قرر عدم الحضور وكان أبرز الغائبين.
«لن أذهب، لقد اتُّخذ القرار»، هكذا قال الرئيس البرازيلي بعد أن هزم فيرنانديز حليفه الرئيس ماوريسيو ماكري في الانتخابات في أكتوبر الماضي. وقال بولسونارو إن الأرجنتين «اختارت على نحو سيئ»، مضيفاً «كنت أشجع الآخر».
وبينما تجتاز أميركا اللاتينية أوقاتا عصيبة – كولومبيا هي الدولة الأحدث التي اندلعت فيها مظاهرات حاشدة، وبوليفيا تبحث عن زعيم توافقي، وفنزويلا تنتقل إلى سنة أخرى من الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية – كان أكبر اقتصادين فيها أشبه بواحتين نادرتين من الهدوء، يتزعمهما زعيمان ذا عقليتين متشابهتين يتعاونان بخصوص المالية والتجارة والأمن. ولكن العداوة الشخصية المتزايدة بين بولسونارو وفيرنانديز أخذت اليوم تهدد بنسف ذلك الاستقرار.
فبولسونارو، وهو شعبوي يميني، كان قد وصف فيرنانديز ونائبة الرئيس كريستينا فيرنانديز دي كرشنر، بأنهما «عضوا عصابة يسارية»، وقال إن انتخابهما يهدد تكتل «ميركوسور» الاقتصادي الإقليمي.
ومن جانبه، وصفَ فيرنانديز، وهو أحد أتباع «البيرونية» (وهي حركة سياسية مستمدة من أفكار وتركة الرئيس الأرجنتيني الراحل خوان بيرون) وتربطه علاقات بيساريي المنطقة، بولسونارو بالكاره للنساء، ودعا البرازيل خلال الخطاب الذي ألقاه بمناسبة فوزه في الانتخابات إلى إطلاق سراح الرئيس السابق لويس إنياسيو دا سيلفا، الذي يُعد خصما لبولسونارو (يذكر هنا أن «لولا»، المدان بالفساد في 2017، غادر السجن الشهر الماضي بعد أن قضت المحكمة العليا البرازيلية بأن بعض المدعى عليهم يمكنهم أن يبقوا أحرارا إلى حين استنفادهم سبل الاستئناف).
وتعليقا على هذا الموضوع، يقول بنجامن جيدان، نائب مدير برنامج أميركا اللاتينية في «مركز ويلسون» بواشنطن: «هناك انقسام حقيقي للمنطقة اليوم يرمز له ويحرّكه الانقسام البرازيلي- الأرجنتيني»، مضيفا «يمكن للمرء أن يعتبر أن لما يحدث للبرازيل والأرجنتين اليوم علاقة بتنافس إقليمي، ولكن الواقع هو أن بولسونارو متشدد في المنطقة، وهذا لا يحد من القوة الناعمة فقط، وإنما يمكن أن يخلق بعض النزاعات أيضا».
وإذا كانت الأرجنتين والبرازيل تحافظان على تنافس محتدم في كرة القدم وترسمان في كثير من الأحيان أهدافاً مختلفة في ما يتعلق بالسياسات، فإن البلدين عبرا، إلى حد كبير، مياه إيديولوجية مماثلة خلال العقود الأخيرة، ذلك أنهما خرجا من نظامين دكتاتوريين عسكريين لينشئا ديمقراطيتين ناجحتين، وانتخبا زعماء يساريين خلال المد الوردي في أميركا اللاتينية خلال أوائل العقد الأول من هذا القرن، ودعما السياسيين المحافظين الذين يبحثون عن أسواق حرة واتفاقيات تجارة حرة مؤخرا.
غير أن الرئيس بولسونارو، المحافظ الذي يسعى لتقوية التجارة والاقتصاد والمعجَب بالرئيس دونالد ترامب، بعيد كل البعد إيديولوجياً عن فيرنانديز، الذي كان مسؤولاً في الإدارتين اليساريتين لكرشنر وزوجها نيستور كرشنر. ومن جانبه، قال فيرنانديز، رغم أنه ينظر إليه على أنه أكثر اعتدالا من «كرستينا كرشنر»، إنه سيعيد النظر في اتفاقية تجارة حرة مع أوروبا. كما انتقد الولايات المتحدة لترحيبها بخلع الرئيس البوليفي إيفو موراليس، ووعد بالبحث عن بدائل لتدابير ماكري التقشفية.
ويواجه البَلدان تحديات اقتصادية مختلفة. فالأرجنتين، التي تعاني حالياً من ازدياد التضخم، تحاول تجنب التخلف التاسع عن تسديد ديونها. والبرازيل تحاول إعادة إحياء اقتصادها عبر إزالة الحواجز التجارية.
ويقول «فيديريكو سيرفيديو»، رئيس غرفة التجارة البرازيلية- الأرجنتينية: «إننا نرى سيناريوهين ماكرواقتصاديين مختلفين، يضافا إلى إيديولوجيتين مختلفتين على ما يبدو»، مضيفاً «ففي البرازيل، لديك حكومة مؤيدة للسوق الحر، وفي الأرجنتين اقتصاد أكثر انغلاقاً، بسبب الحدود المالية والإيديولوجية».
غير أن التراشق يجب أن يتوقف، يقول سيرفيديو. «علينا أن نفكر في المستقبل، وألا نستخدم خطاب الحملات الانتخابية لمهاجمة أسواق خارجية مهمة».
في كفة الميزان ما يصل إلى 25 مليار دولار من التجارة بين البلدين، والتدفق الحر للأشخاص والسلع، وسلاسل توريد مندمجة عبر المنطقة. فالبرازيل هي سوق الصادرات الأول بالنسبة للأرجنتين، والأرجنتين هي المستهلك الرئيسي للسلع الصناعية البرازيلية. وإلى ذلك، أخذ الانقسام يعرّض للخطر أيضاً سنوات من التعاون بشأن المواضيع الإقليمية. إذ يقول فيرنانديز إنه يعتزم سحب الأرجنتين من «مجموعة ليما»، وهي عبارة عن تكتل لبلدان أميركا اللاتينية المنتقدة للرئيس الفنزويلي الاشتراكي نيكولاس مادورو. ومن جانبه، هدّد بولسونارو بتجميد عضوية الأرجنتين في تكتل «ميركوسور»، إذا لم يتبع فيرنانديز سياسات ماكري، أو بسحب البرازيل من التكتل الاقتصادي في حال لم توافق الأرجنتين على تقليص الرسوم الجمركية على الواردات.
*مراسلة «واشنطن بوست» في البرازيل
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»