تتعاظم الحاجة في المؤسسات الإسلامية لإيجاد أرضية ذات منهجية واضحة، وتخطيط استراتيجي دقيق تنطلق عبره جهودها، وتنعكس على أرض الواقع رؤيتها من خلال ما تبلوره على أرض الواقع من إنجازات مبتكرة، وجديدة، وإبداعية، ذلك أن مجتمعات العالم لا تنفك تشهد تواصلاً غير مسبوق لبروز عدة نماذج مسلمة مشرقة، متمثلةً بوصول أبنائها إلى منابر القرار السياسي والقيادات الجامعية ومناصب الوزراء والسياسيين والفنانين والرياضيين، فالمجتمعات المسلمة وما فيها من مكونات لم تعد عنصراً جديداً أو «احتياطياً» على بلدانها بل أصبحت شريكاً فاعلاً ولبنة أساسية في تحقيق ازدهار الدول متكاتفةً يداً بيد مع باقي المكونات المجتمعية.
ولا شك أن تلكم الإنجازات، وما يصاحبها من جهود حثيثة لأبناء المجتمعات المسلمة، والجهات الفاعلة في بلدانها الساعية لزيادة التقارب والتشارك، واجهت ولاتزال عدة تحديات أبرزها تنامي تيارات قوى التطرف، وصراع الأجيال، وتأجج الصورة النمطية، والابتعاد بالخطاب الإسلامي عن جل رسالته القويمة، أو حصره ضمن دائرة التقليد، بلا مراعاة زمانية ولا مكانية، مما يحول دون تحقيق ما جاء به الإسلام وقيمه الراسخة من تيسير وتسهيل على أبنائه.
وضمن «ما بني على صواب فهو صواب»، وفي الحديث عن أهمية انطلاق العمل من أرضية منظمة استراتيجية، وحتى نحيد نحن بأفكارنا وتصرفاتنا عن الانحسار في زاوية التنظير، ولفتح نافذة العمل والتطوير، لابد من الحفاظ على مكونات المجتمعات المسلمة، مما يعني صون الأفراد الروحي والفكري والثقافي والديني وغيرها، وحتى يتأتى ذلك ويسهم وبلا تردد في إنماء شجرة التطور وتجذير معاني المواطنة والتربية عليها، لابد من أن يكون الأصل سليماً، ألا وهو التخطيط الاستراتيجي لدى «المؤسسات الإسلامية»، إذ تمثل حلقة وصل ومرجعية فكرية، وثقافية وتكوينية، وتأهيلية للمجتمع كله.

انطلاق الرؤى والأفكار وترسيخ الإنجازات عبر الخطط الاستراتيجية المحكمة، يعني القدرة على تشخيص واقع الوضع الثقافي لأبناء المجتمعات المسلمة، والوقوف على أبرز الظواهر السلبية المفضية للمشاكل، والتمكن من حلها، إضافةً إلى أنه السبيل نحو إبراز صورة الإسلام السمحة، ووضعها بدلاً من تراكم الصور النمطية الخاطئة، وإيصال رسالة المحبة والتسامح والتعايش للمجتمعات التي لم تحظ بعد بمحاولات فهم واضحٍ معمم عن الإسلام، أو مجتمعاته، بسبب غياب أهم العناصر وأكثرها تأثيراً ألا وهو الحوار الذي يعد أحد أهم فروع ومجالات العمل في الخطط الاستراتيجية.

إن الاهتمام بالعمل الاستراتيجي، إحدى صفات الدول المتحضرة والمؤسسات الناجحة والرائدة في مجالات عملها وانشغالاتها المختلفة، والذي يعني وجوده، في المؤسسات الإسلامية، الإيمان بأهمية العمل الجاد، والمبني على خطة ناظمةٍ محكمة، والسعي الدؤوب لإدماج المجتمعات المسلمة أينما وجدت وباقي مكونات المجتمع، تحت مظلة دولة الحق والقانون الضامنة للتعددية وفي فضاء المواطنة الرصينة الدافعة بصون المجتمعات والدفع بنموها وازدهارها، مما يؤول لبث روح السكينة والوئام وبناء حصانة رصينة ضد أي عوامل دخيلة مخربة، استكمالاً لمسيرة تأصيل الانتماء للوطن التي برهن المسلمون عليها من اندماج اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: «أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي على صراط مستقيم»، للتأكيد على ضرورة إيجاد تخطيط استراتيجي رصين يدير أمور الدول والمؤسسات، فهو ضرورة واقعية تفرضها كافة التجارب التي قام بها الإنسان، ليصبح الإطار التنظيمي لأي مبادرة جادة تهتم بالجدية وتحرص على تحقيق النتائج المرجوة، محققة أعلى مستوى من التميز في الأداء والقياس.
مؤسسات المجتمعات المسلمة أمام خيار واحد أن تصبح مظلة التنسيق وبيت خبرة يتجه إليها كل أبناء مجتمعاتها للنهوض بمستواهم لالتحاق بالركب الحضاري، وهذا لا يتأت إلا بانتهاج الفكر الاستراتيجي وتنفيذه وخططه.