هناك أكثر من 40% من «الجمهوريين» يميلون نحو استبداد كامل ويركنون- في أحد استطلاعات الرأي- إلى رئاسة غير مقيدة بعمليات مراقبة دستورية وتوازن بين السلطات. بل هناك نسبة أكبر من حزب إبراهام لينكون (الحزب الجمهوري) يعتقدون أن دونالد ترامب أفضل من لينكون. وعلى الجانب الآخر، هناك الأشخاص الذين لا يرون إلا الهوية متمثلة في العرق والنوع والعقيدة والطبقة.
ولا راحة من إرهاق تصدعنا القومي هذا. وحتى دون توجيه الاتهام إلى الرئيس دونالد ترامب، فالعطلات ليست إلا فسحة للحروب الثقافية والتعبير الصامت عن التأييد المحمل بالخداع السياسي. وفي ظل هذا الانقسام، أصبح بعض من أفضل مؤرخينا يتساءلون إذا ما كان بوسعنا سرد أي نوع من القصة القومية المشتركة على أمة يشعر فيها كثيرون بالغربة في بلد غريب. لكن إذا أعدنا النظر مخترقين عتمة الرؤية الخارجية والداخلية وصخب عوام جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، فسنجد ماضياً قادراً على الصمود قد ينقذنا. والقصة الكبيرة للتجربة الأميركية هي أنها دولة لا عرقية ولا دينية، بل دولة فكرة. وهذه التجربة لم تمت، ولم تنته بعد.
وكبداية، ورغم السياسة الرئاسية التي نسجها أشخاص يؤمنون بتفوق البيض، فإن بلداً من المهاجرين لم يتنكر للمهاجرين. واتفاق الآراء، رغم أنه تعرض لضربات، مازال كما هو. فهناك 60% من الأميركيين يرون أن الانفتاح على الآخرين ضروري لهويتنا. والغالبية تقول إن المهاجرين يعززون قوة مجتمعنا. وتعرضت هذه الأفكار الحيوية مرتين من قبل لهجوم قاتل. ففي خمسينيات القرن التاسع عشر، مع تدفق موجات من المهاجرين الأيرلنديين بأعداد كبيرة إلى شواطئ الولايات المتحدة، سعى حزب «لا أدري» المتشدد إلى منعهم من أن يصبحوا مواطنين. فكانوا يرون أن الوافدين الجدد في غاية القذارة والإجرام وأنهم أجانب متشددون في كاثوليكيتهم. لكن لينكون كان يحتقر أنصار هذا الحزب وساعد صعوده على أفول نجمهم.
ثم مرة أخرى، في بداية القرن العشرين. فقد كان هناك ما يصل إلى خمسة ملايين أميركي من جماعة «كوكلوكس كلان»، ممن أدوا قسم الجماعة العنصرية المتشددة. وأعيد هيكلة أميركا في عشرينيات القرن الماضي وفق تصور الجماعة المتطرفة. وألغي تصويت السود بالفعل في الجنوب، وكان القمع العنصري سائداً حتى في بعض الولايات الشمالية. ومع قانون الهجرة لعام 1924، حققت «كوكلوكس كلان» هدفها الآخر الكبير في صورة قانون هو الأكثر تقييداً للهجرة في التاريخ. واستهدف القانون إغلاق الباب أمام غير المرغوب فيهم وخاصة اليهود من شرق أوروبا والإيطاليين واليونانيين من جنوب أوروبا والأرمن من تركيا وغيرهم. وكان الصينيون قد استبعدوا بالفعل. والتصميم كان يستهدف ضمان «أميركية صرفة»، أي أمة من البيض البروتستانت المولدين في البلاد.
لكن ها نحن ثانية، نعيش في أميركا، وسط نسبة كبيرة من السكان المولدين في الخارج، في ظل أعلى مستوى في أكثر من مئة عام تقترب من 14% من السكان. ونحاول جميعاً أن نعيش في ظل القصة الأميركية الرئيسية، رغم تجاذب من اليسار واليمين نحو القبائلية. فقد ذكر الرئيس باراك أوباما في شرح للاستثنائية الأميركية عام 2016 أن «هذه القيم التي علمني إياها أجدادي لم تتبدد».
والآن ليس هناك عدو يوحدنا مثلما توحدنا من قبل أمام التاج البريطاني وأمام ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي الشيوعي. لكن غالبية من الأميركيين يرون أن ترامب يمثل- على نحو غريب- عامل توحيد للبلاد حالياً. فقد شن ترامب حرباً على المؤسسات الأميركية مثل الجيش والقضاء والكونجرس والصحافة والدستور نفسه. لكنه يواجه مساءلة مؤكدة؛ لأن ما فعله لا يترك خياراً آخر. ورغم أنه على الأرجح لن يطاح به من المنصب، لكن غالبية الأميركيين يرون أنه ارتكب مخالفة. ولذا يمكننا القول بصوت عال وبفخر أمام العالم، إن فكرة «الدولة هي أنا» لا وجود لها في الوثائق التأسيسية للبلاد. وهذه قصة أخرى تستطيع الولايات المتحدة التمسك بها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/12/06/opinion/america-still-has-a-story-to-tell.html