شكّل عملي لمدة 23 عاماً في «كريستيان ساينس مونيتور» شخصيتي بطرق شتى، غير أن تغطيتي لأفغانستان لها طابع شخصي. وعلى رغم من كثرة الأحداث المهمة التي قمت بتغطيتها في إطار عملي الصحفي، فإن رحلاتي الثلاثة إلى أفغانستان، خلال الفترة من 2006 إلى 2009، تركت لدي انطباعات أكثر من أي مهمة صحفية أخرى.
وقبل إرسالي إلى جنوب آسيا كمراسل صحفي، سألت رئيس قسم الشؤون الخارجية: «هل من الممكن أن أذهب إلى أفغانستان لأقصر فترة ممكنة؟»، لكن مع نهاية مهمتي لم يكن هناك مكان أود الذهاب إليه أكثر من هناك.
وفي البداية، كانت توقعاتي عن أفغانستان مرتبطة بالفوضى والخراب والكراهية. لكن اتضح أن هناك «أفغانستان» أخرى.. تتجاوز العداءات وتتسم بحس الفكاهة وجمال ليس له نظير في العالم. وما أتذكره كثيراً، وبطرق شتى، كان أولئك الناس الذين تغيرت حياتهم مع سقوط حركة «طالبان».
وفي أزقة قندهار الخلفية، خرجت النساء، اللائي لم يكن يتم السماح لهن بالخروج من المنزل، لتقديم الرعاية الصحية للمحتاجين. وفي كابول، أصبحت «مارزيا فايزي» ضابطة شرطة، حتى على رغم من أن أفراد أسرتها امتنعوا عن التحدث إليها. وفي «باميان»، تحول أفراد عرقية «الهزارة» من ضحايا للتمييز العرقي إلى تقلد المناصب الرفيعة في الحكومة.
وتعلمت أن التوقعات كانت مهمة، فعندما وجدت «أفغانستان» أخرى مختلفة تماماً عن تلك التي تخيلتها، تغيرت توقعاتي.
ولكن ما الذي أنجزته الحرب في أفغانستان؟ ترتبط الإجابة على هذا السؤال أيضاً ارتباطاً وثيقاً بالتوقعات. فأفغانستان ليست أميركا ولن تكون. وعلى رغم من أنه كانت هناك محاولات لـ«أمركتها» لكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وأهدرت أموال طائلة؛ لأن الناس لم يتمكنوا من توقع ما هو الأفضل لأفغانستان.
والحقيقة أن الدولة المحطمة والمفعمة بالخوف يتوقعها كثير من الناس داخل أفغانستان. وقد شاهدتها، لكن الجهود التي كُرّست لوجه أفغانستان الآخر، ساعد أيضاً على إرساء دعائم أقوى (وإن كانت لا تزال ضعيفة) خلال السنوات الـ19 الماضية.
لكن، هل يجعل التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن من الحرب قصة نجاح؟ من الأفضل أن نتوقف عن السعي للحصول على إجابات قاطعة بالإيجاب أو النفي. فالحرب كانت مليئة بالافتراضات الخاطئة، ومن بينها فكرة أن السلام يمكن أن يحل بأفغانستان من دون التعامل مع تدخل دول الجوار. والحرب لم تتمكن من تحقيق أشياء لم يكن أبداً من الواقعي منذ البداية أنها ستستطيع تحقيقها.
لكن أيضاً نعتها بالإخفاق والفشل ليس ملائماً، في ضوء ما شاهدته هناك ومن قابلتهم، وهؤلاء هم أمل مستقبل أفضل لأفغانستان.
*كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»