أعلن رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي»، عن فتح خط ائتمان، قيمته 450 مليون دولار لسريلانكا، في الوقت الذي رحب فيه، برئيس سريلانكا المنتخب حديثاً «غوتابايا راجاباكسا»، الذي جاء إلى الهند، في أول زيارة خارجية له.
وتحتل سريلانكا، وهي دولة جزيرة واقعة في المحيط الهندي، موقعاً استراتيجياً على طول طرق المواصلات البحرية، وهي ليست فقط جاراً مهماً للهند، لكنها أيضاً جزء مهم من استراتيجية البلاد المتعلقة بالهند والمحيط الهادئ، وتركز استراتيجية الهند للمحيط الهادئ، ليس فقط على كسب ود الدول وتأييد حرية الملاحة، بل أيضاً على تعزيز المصالح الهندية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وتعد سريلانكا- الجارة الجنوبية للهند- جزءاً مهماً جداً من هذه الاستراتيجية، خاصة في ظل التواجد المتزايد للصين في المنطقة.
وبعد محادثاته مع الرئيس السريلانكي، أعلن «مودي» أن 50 مليون دولار من خط الائتمان، ستخصص للنواحي الأمنية للدولة الجزيرة، صحيح أن المبلغ صغير للغاية، مقارنةً بما تغدقه الصين على سريلانكا من أموال غزيرة، لكنه يوضح عزم نيودلهي على التأهب لمساعدة كولومبو بأي طريقة ممكنة.
وكان راجاباكسا، قد فاز في الانتخابات الرئاسية، التي أُعلنت نتائجها قبل ثلاثة أسابيع فقط، وبعد وقت قصير من توليه السلطة، عين شقيقه والرئيس السابق ماهيندا راجاباكسا رئيساً لوزراء للبلاد، وكان راجاباكسا قد أشرف على هزيمة الجيش للانفصاليين التاميل، قبل عشر سنوات، في عهد أخيه ورئيس البلاد في ذلك الوقت، وتعهد راجاباكسا بأن تكون قيادة البلاد قوية لتأمين مواطني سريلانكا، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، وأغلبهم من السنهال البوذيين.
وتعطي الهند لعلاقاتها بسريلانكا أولوية، ويتفهم البلدان الحساسيات والاهتمامات الأمنية لكل منهما، ولدى البلدين تقليدياً روابط ثقافية وتاريخية وثيقة، لكن نيودلهي راقبت بقلق تعزيز العلاقات بين كولومبو وبكين، خاصة في ظل فترة رئاسة «ماهيندا راجاباكسا»، وكان ماهيندا- خلال فترة رئاسته، التي امتدت 10 سنوات، وانتهت في 2015 - يميل نحو الصين على حساب علاقات الجزيرة مع الهند، وشغل غوتابايا راجاباكسا منصب وزير الدفاع في حكومة شقيقه، واتهم الهند من قبل بالتدخل في الشؤون الداخلية لسريلانكا.
ولا شك تقريباً، في أن تأثير الصين سيستمر في التصاعد، خلال فترة ولاية الرئيس الحالي، وفي ظل هذا التصور، كل ما تستطيع الهند فعله، هو ضمان ألا تضعف قوة نفوذها في جنوب آسيا، ولذا لا تريد الهند تكرار ما حدث خلال رئاسة ماهيندا راجاباكسا، وبالتالي تريد نيودلهي التأكد من أنها تتمتع بعلاقات وثيقة مع كولومبو، لتضمن ألا تحصل بكين على نفوذ أكثر من الضروري في سريلانكا.
وساورت الهند المخاوف، بعد تولي «غوتابايا» مقاليد السلطة، في بلد يحتل موقعاً استراتيجياً في المحيط الهندي، واجتذبه الصين إليها بقوة، وكان رئيس الوزراء الهندي من أوائل من هنأ «غوتابايا» ودعاه لزيارة الهند، وسارع وزير الخارجية الهندي، شانكار جائي، بالذهاب إلى كولومبو، لتسليم دعوة رسمية من مودي لزيارة الهند، وضمن هذا أن تكون زيارة راجاباكسا الأولى للهند، في إتباع لتقليد أرساه رؤساء سابقون.
وأكد راجاباكسا، أنه لن يميل نحو أي قوة أجنبية، وسيحافظ على «علاقات ودية»، وسيظل «على مسافة واحدة» مع جميع البلدان، و«محايداً في صراعات النفوذ بين الأمم»، لكن هذا لا يبدو سهلاً، فقد اقترضت سريلانكا كثيراً من الصين لإقامة بنية تحتية، وتحتاج إلى مزيد من الاستثمارات من الدول المجاورة والغربية لإعادة بناء البلاد بعد الحرب الأهلية، وفي مقابلة صرّح «غوتابايا» بوضوح، أن بلاده ستضطر للسعي إلى المزيد من الموارد المالية من الصين مرة أخرى، إذا لم تستثمر الهند والدول الغربية في الجزيرة.
في ظل حكومة الرئيس السابق «مثريبالا سيريسينا»، بذلت الهند جهوداً لحماية مصالحها، وتمكنت من المشاركة في مشروعات موانئ ومطارات، وتأمل نيودلهي الآن ألا يرتد النظام الجديد في كولومبو على هذا التوجه، وألا يسمح بأي أصول عسكرية أجنبية، تضر بمصالح نيودلهي في سريلانكا.
وإلى جانب الأصول العسكرية، تتحفظ الهند أيضاً على المنشآت الاستراتيجية، التي قد تنشئها أي قوة خارجية في سريلانكا، معتبرةً أن هذا من شأنه الإضرار بمصالح الهند، وما زالت الهند تراعي مصالح سريلانكا، وأظهرت حرصاً على العمل مع الحكومة الجديدة، لكنها تريد ضمان أن يحافظ النظام الجديد في كولومبو على مصالح نيودلهي في المنطقة، وفي هذه المرحلة، يتقارب الجانبان لكن بحذر، وليس علينا إلا أن ننتظر ونراقب الكيفية التي ستتطور بها العلاقات في الأشهر المقبلة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.