تأكيد الرئيس دونالد ترامب بكل ثقة على أن حركة «طالبان» مستعدة، بل تتوق لوقف إطلاق النار الذي تطالب به الولايات المتحدة في حرب أفغانستان المتواصلة منذ 18 عاماً، قد يكون تأكيداً غير واقعي. ترامب الذي ألغى بشكل مفاجئ في سبتمبر الماضي المفاوضات مع «طالبان»، أعلن الآن أنها استُأنفت، وقال خلال زيارة قام بها للجنود الأميركيين في أفغانستان يوم عيد الشكر، إن «طالبان» «تريد عقد صفقة، ونحن نلتقي بهم، ونقول: ينبغي أن يكون هناك وقف لإطلاق النار». كما قال عن مقاتلي الحركة: «إنهم لم يكونوا يرغبون في وقف لإطلاق النار، لكنهم الآن باتوا يرغبون في وقف إطلاق النار»، مضيفاً: «ربما سينجح الأمر بهذه الطريقة.. وقد أحرزنا تقدماً كبيراً».
لكن لم تعلن «طالبان» ولا حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني أن وقفاً لإطلاق النار بات وشيكاً، أو حتى أنه موضع نقاش في المفاوضات مع الجانب الأميركي. وفي الوقت الذي انتهت فيه المفاوضات بين الولايات المتحدة و«طالبان»، كان الجانبان يستعدان لتوقيع مسودة اتفاق تدعو إلى خفض العنف. لكنها أشارت بشكل خاص إلى أن أي نقاش لوقف إطلاق النار سيُترك لمفاوضات المتابعة بين مقاتلي الحركة والحكومة في كابول. وفي بيان لها، أعلنت «طالبان» أن ذلك هو فهمها للأمر. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسمها «ذبيح الله مجاهد» لصحيفة «واشنطن بوست»: «إننا مستعدون للحوار، لكن لدينا الموقف نفسه لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت».
ومن جانبه، قال صديق صديقي، المتحدث باسم الرئيس غني، إن زيارة ترامب القصيرة إلى هناك كانت «مهمة»، لكنه أضاف: «سنرى» إن كان ثمة أي تغير في وضع مفاوضات السلام. وقال صديقي: «ما زال من المبكر جداً التعليق على أي تغييرات أو تغييرات متصوَّرة». والواقع أنه حتى الإدارة الأميركية عبّرت عن توقعات أكثر انخفاضاً من ترامب، إذ قال مسؤول رفيع في الإدارة، وافق على التحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «مثلما قال الرئيس، فإننا سنستأنف المفاوضات مع طالبان. والتركيز سيكون منصبّاً على خفض العنف»، مضيفاً: «وإذا تسنى التوصل لاتفاق، سيستطيع الجانبان توسيع المفاوضات وتعبيد الطريق لتوقيع اتفاق سلام».
بعد قرابة عام على المفاوضات بين الولايات المتحدة و«طالبان»، والتي تزعّمها عن الجانب الأميركي المبعوث الخاص زلماي خليل زاد، توصل الجانبان لاتفاق من أربعة أجزاء يشمل انسحاباً جزئياً للقوات الأميركية، وتعهد «طالبان» بقطع العلاقات مع «القاعدة»، وضمان عدم استخدام أي من الأراضي التي تسيطر عليها (نحو 50? من أفغانستان حالياً) في أنشطة إرهابية موجهة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. كما التزمت «طالبان» ببدء مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية، مع تصدر وقف إطلاق النار للأجندة.
لكن بعد التخطيط سراً لاجتماع مع مفاوضي «طالبان» في منتجع كامب ديفيد الرئاسي من أجل توقيع اتفاق، ألغى ترامب الاتفاق والمفاوضات معاً بشكل مفاجئ، قائلا «إنها باتت ميتة بالنسبة لي». وقال وقتها إنه ألغى المفاوضات بعد أن تبنت «طالبان» المسؤولية عن هجوم أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم عسكري أميركي. وقال في تغريدة على تويتر: «أي نوع من الأشخاص يقتل مثل هذا العدد من الناس من أجل تقوية موقفه التفاوضي؟!».
الإعلان أربك آمال ترامب في خفض عدد القوات في أفغانستان، وهو تعهد التزم به خلال حملته الانتخابية عام 2016. ورغم قوله بأنه كان يرد على مقتل عسكري أميركي، فإن الخطوة عكست أيضاً انقسامات داخل الإدارة بين رئيس الوفد خليل زاده، وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن الوطني حينها جون بولتون، الذي كان يعارض المفاوضات.
وقالت «طالبان» إنها ستكون مستعدة لمواصلة المفاوضات، حتى في الوقت الذي كانت تتجه فيه أفغانستان نحو انتخابات رئاسية عرفت تنافساً محتدماً، وكان غني يأمل أن تقوي أكثر موقفه في مفاوضات مباشرة لحكومته مع حركة «طالبان».
وفي الأثناء، أجرى خليل زاده، الممنوع من استئناف المفاوضات بشكل رسمي، مباحثات بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام مع أفغانستان وحكومات أخرى في المنطقة، وفي الأيام الأخيرة بدأ مباحثات غير رسمية مع «طالبان».
ورغم أن الانتخابات أجريت في أواخر سبتمبر الماضي، فإنه لم يتم الإعلان عن أي فائز وسط اتهامات بانتهاكات قانونية واسعة في مكاتب الاقتراع. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافق غني على الإفراج عن ثلاثة سجناء من «طالبان» مقابل رهينتين (أميركي وأسترالي)، وكلاهما أستاذان بجامعة كابول كانا محتجزين لدى «طالبان» خلال السنوات الثلاث الماضية.
وفي الوقت نفسه، مضت الولايات المتحدة قُدماً في التخطيط لعملية الانسحاب نفسها، أي خفض عديد القوات الأميركية هناك من 13 ألف جندي إلى 8 آلاف وستمائة التي كانت مقررة في إطار الاتفاق الأصلي.
وقال ترامب، الخميس الماضي، عن القوة الأميركية: «إننا سنخفض العدد بشكل مهم جداً»، وأضاف: «لكننا سنبقى هناك إلى حين التوصل إلى اتفاق أو تحقيق نصر كامل».
كارن دي يانغ* وسوزانا جورج**
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»