مستخدمو الهواتف الذكية، يرون في الهند أرض العجائب وافرة البيانات زهيدة الأسعار، فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، جذبت الأسعار المنخفضة للحصول على خدمة الاتصالات عشرات الملايين من المشتركين الجدد، وأطلقت ثورة البلاد الرقمية، لكن هذه الأسعار المنخفضة دفعت عدداً من شركات الاتصال الكبيرة إلى الخروج من النشاط، وتركزت الأضواء الأسبوع الماضي على الهشاشة المالية لشركات الاتصالات في الهند، حين أعلنت شركتان من مقدمي الخدمة نتائج ربع سنوية كارثية، فقد كشفت شركتا «فودافون آيديا» و«بهارتي آيرتل» عن خسائر قياسية، بلغت سبعة مليارات دولار للشركة الأولى، وثلاثة مليارات دولار للشركة الثانية، في شهور ثلاثة، انتهت آخر سبتمبر الماضي، وحذرت الشركتان من أن قدرتهما على الاستمرار معرضة للخطر.
وتجد صناعة الاتصالات في الهند، نفسها عند مفترق طرق في الوقت الحالي، وبسبب قلقه على حالة الصناعة، وافق مجلس الوزراء الهندي على خطة إنقاذ يوم الخميس الماضي، تتضمن تأجيل بعض المستحقات المدينة بها شركات الاتصال للحكومة، لكن من الواضح أن الهنود سيتعين عليهم دفع المزيد من المال مقابل البيانات التي يتزايد شغفهم بها، ولدى الهند أرخص أسعار للبيانات عبر الهواتف المحمولة، فالجيجابايت من البيانات تكلف 26 سنتاً فحسب، مقارنة بأكثر من 12 دولاراً في الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة لأبحاث المستهلكين، لكن راجان ماتيوس، المدير العام لـ«الاتحاد الهندي لمشغلي الخلوي»، أن أسعار الهند «لم تعد ببساطة قادرة على الصمود مالياً»، وأوضحت شركات تقديم الخدمة الكبار الثلاث، وهي آيرتل وفودافون وريلايانس جيو، هذا الأسبوع، أنها تخطط لزيادة الرسوم في ديسمبر الجاري، والزيادة لن تكون صغيرة، بل يرجح أن ترفع الشركات الأسعار بما يتراوح بين 20% و30%، بحسب قول روهان داميجا الخبير في الاتصالات، الذي يرأس قسم الهند والشرق الأوسط في شركة «أنالاسيز ميسون» للاستشارات، ويؤكد داميجا أن «هذه نقطة انقلاب حقيقية، الحكومة تتحرك، ومقدمو الخدمة يتحركون نحو أسعار أفضل، واستقرار مالي أفضل».
وزيادة الأسعار تلك، ستكون أول ارتفاع كبير منذ أكثر من ثلاث سنوات، ففي عام 2016، أطلق موكيش أمباني، أكثر رجال آسيا ثراءً، ثورة في الصناعة، بتدشين شركته للاتصالات ريلاينس جيو، وقلصت الشركة الأسعار مع دخولها السوق، وأجبرت الشركات الأخرى على الحذو حذوها، وفتح تقليص ريلاينس للأسعار الباب أمام انتشار أوسع للهواتف المحمولة في بلد يقطنه 1.3 مليار نسمة، وتعلن الشركة أنها اجتذبت أكثر من 300 مليون عميل، والهنود من بين أكبر مستخدمي العالم للتطبيقات القائمة على الإنترنت، مثل واتساب ويوتيوب وتيك توك.
صحيح أن الأسعار المنخفضة جاءت لصالح المستهلكين، لكنها فتحت الباب لانتقال مؤلم لشركات الاتصالات، فبعض الشركات أغلقت أبوابها، وأخرى اندمجت في غيرها في ظل منافسة شرسة، ومتوسط العائد من المستخدم، وهو معيار شائع في هذه الصناعة، انخفض أكثر من 50% بين عامي 2015 و2018، وفقاً لبيانات من اتحاد مشغلي المحمول، وبحلول هذا العام، لم يتبق إلا ثلاث شركات كبيرة خاصة في المجال، وهي آيرتل وفودافون وريلايانس، بالإضافة إلى شركتي اتصال متعثرتين من القطاع العام، لهما نصيب أصغر في السوق.
وجاءت الضربة الأخيرة الشهر الماضي، حين أصدرت المحكمة الهندية العليا قرارها، في نزاع قائم منذ فترة طويلة، بين الحكومة وصناعة الاتصالات، والقاضي بأن تدفع شركات الاتصال رسوماً وفوائد وجزاءات تصل إلى مليارات الدولارات، وبعد الحكم، أعلنت شركة فودافون وآيرتل الأسبوع الماضي، النتائج ربع السنوية الوخيمة، ورحبت شركة فودافون في بيانها الصادر، يوم الاثنين الماضي، بتحرك الحكومة نحو التفكير في «إنقاذ ملائم».
ويرى راجيف شارما، رئيس الأبحاث في شركة «سبيكاب سيكيوريتيز» في مومباي، أنه حتى بعد تحرك يوم الخميس الماضي، من جانب الحكومة، والزيادة الوشيكة في الرسوم للعملاء، لن تقف الصناعة على أساس صلب، وأضاف: أن الشركات «ستظل بحاجة إلى المزيد من إجراءات الإنقاذ الحكومية»، بما في ذلك تعديل محتمل للجزاءات، التي سيجري جمعها ضمن قرار المحكمة العليا، ويؤكد ماتيوس، المدير العام لـ «الاتحاد الهندي لمشغلي الخلوي»، أنه على مدار سنوات «لم تكن الأسعار تسير إلا نحو الانخفاض، وهذه الأسعار لم تكن قادرة على الصمود».
جوانا سليتر
رئيسة مكتب «واشنطن بوست» في الهند
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»