تثير مهمة اللجنة الدستورية السورية، المُشكلة من ممثلين للحكومة، وبعض أطياف المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، سؤالاً كبيراً عن المسار الطبيعي لحل أزمات عميقة مثل الأزمة السورية، وهل يتعين الاتفاق على أسس هذا الحل، أو حتى خطوطه العامة أولاً، أو يمكن إعطاء الأولوية لصوغ الدستور، الذي يُحدد المقومات الأساسية للدولة، وطبيعة النظام السياسي، والعلاقة بين السلطات؟
المعتاد أن يكون التوصل إلى اتفاق، أو إطار عام، بشأن أسس الحل السياسي مُقدماً على وضع الدستور، فهذه الأسس هي التي يُفترض أنها تحكم النقاش الدستوري، غير أنه إذا كان التفاهم على أسس الحل السياسي الذي يُؤسَس الدستور عليه متعذراً، فهل يُترك الوضع لمزيد من التدهور، أو يحاول الوسيط الأممي التحرك في أية مساحة يجدها، حتى إذا بدا هذا التحرك تعبيراً عن خلل في ترتيب الأولويات؟
السؤال مُختلف على جوابه، بين من يفضلون انتظار توافر ظروف مواتية للسعي إلى تفاهم على حل سياسي، ومن يرون أن تجريب إجراء حوار حول الدستور قد يفيد في فتح قنوات، ربما تساعد في فتح الطريق إلى حل سياسي.
لكن الأرجح، أن يواجه منهج الدستور أولاً، في حالة الأزمة السورية الراهنة، صعوبات قد تجعل طريقه مسدودة، على نحو ربما يجعل انتهاجه نوعاً من الهروب إلى الأمام، ولعل أولى هذه الصعوبات عدم وجود اتفاق على هدف اللجنة الدستورية، التي تتكون من 150 عضواً مُقسمين بواقع ثلث للحكومة، ومثله للمعارضة، وثالث لممثلين عن المجتمع المدني، مقبولين من جانب كل من الحكومة والمعارضة، فهل تعمل هذه اللجنة من أجل وضع دستور جديد، أو تعديل الدستور الحالي الصادر عام 1973 والمعدل عام 2012؟
وهذا موضوع جوهري، كان مفترضاً أن يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا «غير بيدرسون» إلى تحديده، بالتزامن مع تشكيل اللجنة الدستورية، بدلاً من ترك هدفها عائماً في الدعوة التي وجهها لعقد اجتماعها الأول، إذ تضمنت «مراجعة دستور عام 2012، بما في ذلك سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى، وتعديل هذا الدستور أو وضع دستور جديد».
والمتوقع أن يستنفذ هذا الموضوع وقتاً قد يكون طويلاً، ويُرجح أن يصر ممثلو الحكومة السورية في اللجنة على إجراء بضع تعديلات، لا تتضمن تغييراً كبيراً في بنية الدستور الحالي ومحتواه، على النحو الذي حدث عام 2012، ويصعب تصور قبول ممثلي المعارضة في اللجنة خفض مستوى طموحهم، إلى تعديل لا يتضمن تغييراً في هيكل النظام السياسي، الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة للغاية، إذ يتطلعون إلى نظام برلماني، أو على الأقل نظام شبه رئاسي أكثر ديمقراطية ولا مركزية، ويُحقق توازناً بين سلطات الدولة، وليس متصوراً أن يقبلوا تعديلاً لا يتضمن مثل هذا التحول في هيكل النظام السياسي.
وفي حالة تمسك كل من الطرفين بموقفه، وتعذر التوصل إلى اتفاق على هدف اللجنة، ربما ينتهي عملها قبل أن تدخل في صلب مهمتها، لأن مسألة الدستور تتطلب توافقاً عاماً، خاصة في ظل عدم جدوى إجراء اقتراع داخلها، بافتراض أن مسألة الدستور يمكن أن تُحسم بأغلبية بسيطة، ولا يُجدي اللجوء إلى الاقتراع، لصعوبة حصول أية صيغة على نسبة 75% المحددة، في ورقة «المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية»، والتي وضعتها الأمم المتحدة، وأرسلها الأمين العام، أنطونيو جوتيريش، إلى رئيس مجلس الأمن في 28 أكتوبر الماضي، عشية الاجتماع الأول لهذه اللجنة.
وتنص الورقة، في بندها الثالث عشر، على أن «تعتمد اللجنة بهيئتيها الموسعة والمصغرة في عملها، وقراراتها، على التوافق كلما أمكن، وإلا بتصويت 75% على الأقل من الأعضاء».
وستتوقف نتيجة أي اقتراع، على مواقف الأعضاء الخمسين، الذين يمثلون المجتمع المدني، وقدرة ممثلي كل من الحكومة والمعارضة على التأثير في هذه المواقف، وحتى في حالة تمرير صيغة ما عبر الاقتراع، قد لا يُلتزم بها خاصة إذا لم تكن مقبولة من جانب الحكومة، التي أصبحت في موقف أقوى بكثير من المعارضة.
ومع ذلك، ربما تتمكن اللجنة الدستورية من تحقيق اختراق، يفتح باباً أمام حل أزمة ما زالت تبدو مستعصية، إلى حد أن الرئيس دونالد ترامب، وضعها في مقدمة ما اعتبرها «أزمات غير قابلة للحل»، في سياق تفسير سياسة إدارته المتأرجحة تجاهها.