أربعة من كل خمسة، أي ثمانين بالمئة من الأطفال والمراهقين بين سن الـ11 والـ17، لا يمارسون قدراً كافياً من النشاط البدني، وذلك وفقاً لدراسة صدرت بداية هذا الأسبوع عن منظمة الصحة العالمية، ونُشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في صحة الأطفال والمراهقين (The Lancet Child & Adolescent Health). وذهب القائمون على الدراسة التي تعتبر الأولى من نوعها، لوصف هذا الوضع الحالي بالوباء العالمي، الذي لا يستثني أياً من دول العالم، الغني والفقير منها على حد سواء.
وبنت الدراسة استنتاجها ذلك على المعايير المتفق عليها حول الحد الأدنى المطلوب من النشاط البدني لكل فئة عمرية، والتي تنص على 60 دقيقة يومياً كحد أدنى من سن الخامسة إلى الثامنة عشر، وبالنسبة للبالغين على 150 دقيقة من النشاط البدني «الآيروبك» أسبوعياً، من سن التاسعة عشر إلى الخامسة والستين. بعد هذا السن، وبالإضافة إلى الـ150 دقيقة تلك، لابد من إضافة تمارين تقوية للعضلات والعظام مرتين في الأسبوع على الأقل.
وتأتي أهمية النشاط البدني في مرحلة الطفولة لما يجنيه الطفل من فوائد في تلك المرحلة، ولما يتجنبه من أمراض وعلل في المراحل اللاحقة من الحياة. فعلى المدى القصير يساعد النشاط البدني على الحفاظ على صحة وسلامة القلب والرئتين، وعلى قوة العضلات ومتانة العظام، كما يمنح النشاط البدني صحة عقلية وحالة نفسية أفضل، ويساعد على الحفاظ على وزن ضمن الحدود الطبيعية. وعلى المدى البعيد، غالباً ما ينشأ الأطفال النشيطون ليصبحوا بالغين نشيطين أيضاً، ويحقق نشاطهم هذا خلال مراحل حياتهم المختلفة قدراً ملحوظاً من الوقاية ضد العديد من الأمراض الخطيرة، مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وداء السكري من النوع الثاني.
ومن الممكن إدراك تبعات تراجع النشاط في مرحلة الطفولة على صحة هؤلاء الأطفال في مرحلة البلوغ لاحقاً، من حقيقة أن أفراد جيل الألفية، وهم مَن ولدوا خلال الفترة الممتدة من 1980 وحتى 2000، يعتبرون أكبر حجماً، وأثقل وزناً من الأجيال السابقة، وربما عبر تاريخ الأجيال البشرية جميعها. وهو ما كان قد أكده مسح صحي أجري في بريطانيا، وأظهر أنه بناءً على الاتجاهات السكانية الحالية، سيصاب أكثر من سبعين بالمئة من أفراد جيل الألفية، بزيادة الوزن أو بالسمنة المفرطة، مع بلوغهم منتصف العمر. هذه النسبة أعلى بكثير من نسبة السمنة لدى الجيل الآخر المعروف بجيل «فرط المواليد» (Baby Boomer)، وهو الجيل الذي ولد مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تبلغ نسبة زيادة الوزن والسمنة المفرطة بين أفراد ذلك الجيل أقل من النصف بقليل.
وبخلاف الحفاظ على صحة القلب والرئتين، وعلى قوة العظام والعضلات، والتمتع بوزن طبيعي، تتراكم الأدلة يوماً بعد آخر على أن النشاط البدني يلعب دوراً مهماً في نمو المخ بشكل طبيعي، حيث يتمتع الأطفال النشيطون بمستويات أعلى من الوظائف الذهنية، وبقدرات أفضل على التعلم، كما يتميزون بسلوكيات ومهارات اجتماعية أفضل.
لكن هل الأطفال بطبعهم كسالى؟ الإجابة بالقطع لا. فسنوات الطفولة هي سنوات اللعب، والحركة، والجري، والنشاط، وحب المغامرة والفضول.. لكن في ظل عالمية الوباء الحالي من كسل الأطفال والمراهقين، لابد من توجيه أصابع الاتهام إلى الإهمال الأسري والمجتمعي، وإلى الفشل في تقدير أهمية النشاط البدني ووضعه ضمن الأولويات.
ورغم أنه لا توجد إجابة واحدة تفسر انتشار هذا الوباء وتصاعد وتيرته، إلا أن هناك عوامل مشتركة واتجاهات نمطية محددة؛ منها على سبيل المثال، الاهتمام المتزايد بالأداء الأكاديمي وإعطاؤه الأولوية على حساب النشاط البدني. فالأطفال والمراهقون في العصر الحالي أصبحوا مدفوعين دائماً نحو العمل والدراسة بجد لاجتياز الامتحانات والاختبارات. وهو ما يضطرهم لقضاء ساعات طويلة من اليوم في مقاعد الدراسة، أو في تأدية واجباتهم الدراسية، مما يُضيَّق من الوقت المتاح لهم للعب وممارسة النشاط البدني. ناهيك أيضاً عن التغير الحادث خلال العقدين الماضيين في سبل الترفيه اليومي، واعتماد تلك السبل بشكل متزايد على الشاشات الإلكترونية، سواء أكانت شاشات التلفزيون أم الكمبيوتر، أم ألعاب الفيديو، أم أجهزة الهاتف المحمول. فالوقت الذي يقضيه حالياً الأطفال والمراهقون منهمكين في تلك الشاشات بمختلف أنواعها، ليس فقط وقتاً ضائعاً من دراستهم وتحصيلهم العلمي، بل أيضاً من الوقت المتاح لهم لممارسة النشاط البدني واللعب والجري والمرح. وبالفعل تُظهِر بعض الدراسات وجود علاقة بين فرط استخدام شاشات الترفيه، وبين ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة، وبالاكتئاب، وهو ما يرى البعض أنه نتيجةٌ لهذا الإفراط والذي قد يصل أحياناً إلى درجة الإدمان.