تم الإفراج مؤخراً عن رئيس البرازيل السابق «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا»، بعد قضاء عام ونصف في السجن. وقد يجد «دا سيلفا»، الذي ما زال يواجه اتهامات معلقة، نفسه في السجن مرة أخرى، لكنه في الوقت الحالي سيبقى حراً حتى يتم استنفاد جميع طعونه. وبالنظر إلى مستوى شعبية الرئيس الحالي «جايير بولسونارو»، فإن تحرير أكثر الرجال إثارة للجدل في البرازيل يهدد بتعميق التوتر السياسي.
وقد تعثر «حزب العمال» منذ سجن قائده «دا سيلفا» في أبريل 2018. ومع ذلك، لم ينجح أي سياسي آخر في الظهور في الواجهة أثناء وجوده في السجن. ومع خطابه الذي يحظى بكاريزما وسجله الحافل كواحد من أكثر الرؤساء شعبية في تاريخ البرازيل، ما يزال الشخصية الوحيدة في المعارضة القادرة على تعبئة الأنصار والمؤيدين. ومن المفارقات، أن المعارضة الوحيدة التي واجهها بولسنارو حتى الآن جاءت من داخل حزبه. ويأمل دا سيلفا وحلفاؤه في تنشيط «حزب العمال» الذي يعد أهم قوة معارضة في البلاد. والآن، وقد أصبح حراً، يمكن للحزب أن يركز جهوده على إحداث توازن في مقابل بولسونارو، السياسي وعضو مجلس النواب اليميني السابق الذي تم انتخابه العام الماضي رئيساً للبلاد.
وظل دا سيلفا هو المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية لعام 2018 حتى بعد سجنه. وعندما تم الإعلان عن إطلاق سراحه الوشيك مؤخراً، وقف المئات من مؤيديه يحتفلون خارج مبنى الشرطة الفيدرالية في «كوريتيبا»، عاصمة بارانا. وفي اليوم التالي في ساو باولو، تماماً كما حدث في اليوم الذي سُجن فيه، تجمع الآلاف من الأشخاص في اتحاد عمال المعادن، حيث بدأ لولا حياته المهنية كقائد نقابي في سبعينيات القرن الماضي. وقال دا سيلفا: «لقد عدت، ولدي المزيد من الإرادة للقتال أكثر مما كنت عندما غادرت هذا المكان».
ولا يمكن لدا سيلفا الترشح لأي منصب ما لم يتم إلغاء إداناته الجنائية. لكنه مع ذلك سيعوض الوقت الضائع من خلال الشروع في جولة عبر البلاد، وإعادة مكانته في السياسة البرازيلية. وسيؤدي إطلاق سراحه إلى إشعال الاستقطاب الذي شهدته البرازيل خلال السنوات الخمس الماضية.
ولأنه غير قادر على الالتزام بالصمت، كتب بولسونارو على تويتر بعد الإفراج عن الزعيم اليساري السابق: «لا تعطوا الذخيرة للوغد، الذي سيكون حراً لفترة مؤقتة لكنه مليء بالذنب». ويذكر أن العديد من البرازيليين الذين صوتوا لصالح بولسونارو عام 2018 يعارضون بحزم حزب العمال، وهم مؤيدون أقوياء لعملية «لافا جاتو» –التحقيق واسع النطاق في الفساد والذي بدأ عام 2014– لكن استطلاعات الرأي تظهر أن الكثيرين منهم غير راضين عن الوضع الحالي: تعد نسبة تأييد بولسونارو بواقع 32% هي أقل نسبة تأييد يحظى بها رئيس برازيلي في عامه الأول منذ عام 1987.
ومع ذلك، فإن الآخرين غاضبون بشأن الإفراج مؤخراً عن دا سيلفا. لقد كان سجنه، في جزء كبير منه، رداً على الاستياء الشعبي من الإفلات الممنهج من العقاب منذ زمن طويل. وبالنسبة لهؤلاء، كان الإفراج عنه يعني خسارة المعركة ضد الفساد.
والآن، مع وجود عدو واضح حر طليق، يمكن لبولسونارو تحويل الانتباه عن بعض الموضوعات الضاغطة –لاسيما الصعوبات التي ظهرت مؤخراً في السيطرة على الحرائق التي اجتاحت أجزاء كبيرة من الأمازون- والعودة إلى الخطاب المناهض للفساد. ومع ذلك، فقد تعثرت مساعيه الرامية إلى مكافحة الفساد جراء ما أثير حول معاملات تعود لأشخاص مقربين منه ومن حزبه.
ويذكر أن أميركا اللاتينية تعاني من الاستياء والاضطرابات، كما يتضح من الاحتجاجات في بوليفيا وشيلي والإكوادور. ويتعين على كل من الحكومة والمعارضة التعامل بحذر مع خطابهم العدائي. وبالرغم من أنه قد يكون من السذاجة الاعتقاد بأن كلا الطرفين سيختاران طريق المصالحة والوحدة الذي تحتاج إليه البرازيل بشدة، فإنه ينبغي على لولا داسيلفا وبولسونارو القيام بمحاولة: فمن الأهمية القصوى البدء في التخفيف من التطرف الذي أضعف الديمقراطية في البلاد والمنطقة.
وحقيقة أن بولسونارو قد التقى بخصمه المعارض هي أمر جيد للغاية. لكن عبادة الشخصية، التي يجسدها الزعيمان سمة مؤسفة في سياسة أميركا اللاتينية، ويجب أن تنتهي.
وكان دا سيلفا (74 عاماً) الذي سيطر على الساحة السياسية البرازيلية منذ 16 عاماً، قد أعاق «تعاقب الأجيال» داخل اليسار ويسار الوسط في البرازيل. وسيكون من الصعب الآن تحديد قيادة جديدة قادرة على التعامل مع الكلام المنمق لليمين. وما تحتاجه البرازيل الآن هو التخلص من عبادة الشخصية التي تسببت في الاعتماد على السياسة التي تدور حول نفس المجموعة من الشخصيات.
*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»