تواصل زهاء حديد إبداع جواهر معمارية حول العالم، خمسة منها افتتحت بعد وفاتها عام 2016، بينها مطار بكين الدولي، و«أوتيل مورفيوس» في ماكاو بالصين، و«متحف 1000» في ميامي بالولايات المتحدة، و36 بناءً تحت الإنجاز. وهذا هو الخلود. «جسر الشيخ زايد» في أبوظبي، الذي صممته زهاء حديد، تَصّدَر قائمة أجمل 19 جسراً في العالم. أعلنت ذلك مجلة «العمارة العالمية» (AD) الصادرة بالإنجليزية، وذَكرت أن القائمة ضمّت أشهر الجسور في العالم، مثل «مانهاتن بريدج» في نيويورك (أنشئ عام 1912)، و«جسر تشيشيني» في بودابست (عام 1849)، و«غولدين غيت» سان فرانسيسكو (1937)، و«تاور بريدج» لندن (عام 1894)، و«جسر بروكلين» نيويورك (عام 1883)، و«جسر تشارلز» في براغ (أنشئ في مطلع القرن الخامس عشر).
والجسر موضوع أحدث الأعمال التي فاز بها مكتبها «زهاء حديد معماريون» (Zaha Hadid Architects) وهو جسر سكة الحديد العابرة بحر البلطيق، ويربط بين محطة «تالين» في لتوانيا، والحدود البولندية، ويُسهّل الجسر تساوق خطوط سيارات الباص، وعربات المترو، والسكك الحديدية. وأُعلن أخيراً عن فوز «زهاء حديد» بتصميم مقر جديد في الشارقة لشركة «بيئة» المختصة بالأعمال البلدية، وإدارة النفايات، واستخراج الطاقة النظيفة منها. وعُرض نموذج مصغر لتصميم مقر«بيئة» في معرض «ترينالي الشارقة للعمارة» وتبلغ مساحته 7 آلاف متر مربع وارتفاعه 18 متراً، ويضم مرآب أسطول شاحنات النقل، وفي تصميمه المتموج على شكل كثبان رملية أسلوب زهاء حديد المشهور باستخدام منحنيات أنيقة مريحة، وليس جدراناً قائمة بزوايا حادة.
وفاز أخيراً «زهاء حديد معماريون» في مسابقة إنشاء «مطار سيدني» الجديد في أستراليا، الذي تنافس عليه 40 مكتباً معمارياً عالمياً، ويتم تنفيذه على أربع مراحل، ويصبح مع منتصف القرن الحالي، أكبر مطار دولي في العالم، يتسع لاستقبال 82 مليون مسافر سنوياً. وعبقرية التصميم المُستوحى من تراث زهاء حديد جعلت المطار الأسترالي يبدو كشرفة مطلة على أدغال الطبيعة المحيطة. «وإذا كان هناك من حقيقة واحدة عن تصاميم زهاء لا تقبل النقاش، فهي أنها تُبنى كي تُرى. ذكر ذلك الكاتب المعماري «نك مافي» في تقرير عن مطار بكين الدولي الذي عبّر تصميمه عن رؤية زهاء حديد العصية على التقليد، والتي تنسج خطوطها في هيكل مادي لأكبر مطار في العالم بالمساحة، وتبلغ أكثر من سبعة ملايين قدم مربعة، ويتسع لاستقبال 72 مليون مسافر عام 2025، وفي حال إضافة مدرج آخر إلى مدارجه الأربعة سيتسع لاستقبال 100 مليون مسافر.
وخُلودُ زهاء حديد خُلودُ العراق عبر الألفيات، منذ ملحمة «جلجامش» الباحث عن أكسير الحياة والخلود قبل نحو 5 آلاف عام، وتوارَثه حمورابي، واضع أول قانون في التاريخ، وأول امرأة توارثت خلود العراق «إنهدوانا» أول شاعرة وكاتبة في التاريخ، أصبحت بعد مرور 44 قرناً على ميلادها موضوع أطروحات ودواوين وجمعيات نسائية حول العالم. وخُلودُ العراق في العلوم محمد بن موسى الخوارزمي، مؤسس علم الجبر، المُستمّد من عنوان كتابه «المقابلة والجبر»، والذي يستخدم الحروف للتعبير عن الأرقام، وقد لعب دوراً أساسياً في إنشاء الكومبيوتر والإلكترونيات. وخُلودُ العراق كالشاعر المتنبي «على قلقٍ كأنّ الريح تحتي أوجهها يميناً أو شمالا». وتراث زهاء حديد يوجه على قلق العالم مشاريع مختلفة الوظائف عبر القارات، بينها منازل ومجمعات سكنية، وأبراج تجارية، ونوادي ثقافية ورياضية، ومسابح، ومنصات للقفز على الجليد، ومعارض علمية وفنية، ومكتبات، ومنشآت طبية وأكاديمية، ومحطات، وجسور، ويخوت.
وارتبط اسم زهاء حديد بالموجة العالمية لبناء متاحف ودور أوبرا ومسارح، قالت عنها: «الناس، هم الذين يوصون بهذه الأعمال، وليس طبقة نبلاء أو مالكين». جاء ذلك في كتابي «زهاء حديد عبقرية المكان»، والذي أعددته بالعربية والإنجليزية والروسية.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا