البريطانيون لا يشعرون بالحماس قبل شهر من الانتخابات القومية المزمعة. فقد ذكر استطلاع رأي نشرته مؤسسة «يوجوف» يوم الاثنين الماضي أن المزاج الإيجابي بشأن التصويت نادر. فهناك 7% فقط يقرون بأنهم يشعرون بالحماس و5% فقط يشعرون بالتحفز و1% فقط يشعرون بالفخر تجاه الانتخابات القادمة. والمناخ العام السائد هو الخوف والنفور. فهناك ربع سكان البلاد أعلنوا أنهم قد يستخدمون كلمة «خوف» لوصف مشاعرهم بشأن عملية التصويت. وذكر 15% أنهم يشعرون بالغضب وذكر 14% أنهم مرتبكون ببساطة. وحين سئلوا إذا ما كانوا يشعرون باللامبالاة أو القنوط، أعلن 27% أن لا كلمة من الاثنتين تضاهي مشاعرهم.
والتقييم الكئيب للانتخابات البريطانية المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر، يكشف حقيقة أنه بالنسبة لعدد كبير من الناخبين تعكس الانتخابات ليس التقدم بل التأزم. وهذه ثاني انتخابات مبكرة تمت الدعوة إليها على مدار عامين فحسب. وجانب كبير من الجدل السياسي مازال يدور حول خطة بريطانيا بشأن ترك الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) الذي أيده استفتاء أجري في يونيو 2016. لكن الخروج لم يُنفذ وقُتل جدلاً ونقاشاً ثم تأجل. كل هذا، رغم حقيقة أن متوسط استطلاعات الرأي من خلال مصادر متنوعة، تشير بشكل متسق إلى أن غالبية البريطانيين لم يعودوا يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتأثير بريكست على الانتخابات اتضح يوم الاثنين الماضي، حين أعلن «نايجل فاراج» الناشط وزعيم حزب «بريكست» الناشئ أنه لن يطرح مرشحين ينافسون على المقاعد التي تسيطر عليها حكومة «المحافظين» بقيادة رئيس الوزراء «بوريس جونسون»، والتحرك الذي اقترحه فاراج يمثل تحالفاً من جانب واحد للتصدي لإجراء استفتاء ثانٍ على «بريكست»، مما يرجح أن يساعد فيما يبدو جونسون على الفوز بأغلبية في البرلمان. وخصوم الحكومة يجادلون الآن أنهم بحاجة إلى الاتحاد فيما بينهم. لكن حتى إذا لم تستطع الجماعات المؤيدة للبقاء في التكتل أن تتحد رسمياً، فخطوط المعركة قد رُسمت. وضمن هذا الإطار، كتب «بولي توينبي» من صحيفة «الجارديان» يقول إنه «خيار ثنائي عسير بين طرف ظهر حديثاً يضم المحافظين وحزب بركسيت من أصدقاء ترامب وبين تحالف هش من التقدميين المؤيدين للبقاء» في التكتل.
وبريطانيا تكابد عدم اليقين بشأن «بريكست» منذ ما يقرب من ثلاث سنوات الآن. والأسابيع القليلة الماضية لم تجعل الأمور أوضح. ودعا جونسون إلى هذه الانتخابات لأنه، مثل «تريزا ماي» رئيسة الوزراء السابقة، اتضح أنه غير قادر على إقرار اتفاق بشأن الانسحاب عبر البرلمان قبل موعد نهائي حدده الاتحاد الأوروبي. وبعد تمديد إلى يناير المقبل، قرر جونسون أن يلقي الكرة في ملعب الناخبين متعلقاً بأمل استعادة أغلبية تمكنه من التحرك.
ويبدو الأمر، لفترة قصيرة من الوقت، كما لو أن «فاراج» قادر على إفساد هذه الخطة. فقد تفوق حزبه «بريكست» في الأداء على حزب «المحافظين» في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الصيف. و«فاراج»، مثل «جونسون»، من مؤيدي «بريكست» لكنهما يختلفان في أسلوب الخروج. فقد أخبر «فاراج» الرئيس ترامب أن حزبه يعتزم خوض سباق انتخابات ديسمبر ضد «المحافظين» ما لم يتخل جونسون عن خطته الخاصة بالاتحاد الأوروبي من أجل خروج بريطاني أصعب وأخطر.
وكتب جيرمي كوربن زعيم حزب «العمال» اليساري المعارض على تويتر يقول إن هناك اتفاقاً يحظى بتأييد ترامب بين فاراج وجونسون. وإذا كان هناك اتفاق، فربما لا يغير المعادلة كما قد يعتقد كثيرون. فقد صرح «جون كورتيس» أستاذ العلوم السياسية بجامعة «ستراثكلايد» لصحيفة «واشنطن بوست» أنه رغم تشويق مثل هذا الإعلان، فإن فاراج لن ينسحب من المقاعد التي يأمل المحافظون انتزاعها من العمال.
وأشار «كورتيس» إلى أنه مازال من المحتمل ظهور برلمان بلا أغلبية واضحة. وجونسون متقدم بشكل كبير في استطلاعات الرأي؛ وفي انتخابات بريطانية عادية كان من الممكن أن نتوقع فوزه. ومن الممكن- وإن يكن صعباً- قيام تحالف للمناهضين لبريكست بين حزب «العمال» الذي يتزايد يسارية بقيادة «كوربن» وحزب «الديمقراطيين الأحرار» الوسطي وحزب «الخضر» والأحزاب القومية في ويلز واسكتلندا. لكن أن يصبح «كوربن» نفسه رئيساً للوزراء، فمازال هذا صعباً على التخيل عند كبير من سكان البلاد.
وكتب «نيك بولز»، العضو السابق في البرلمان عن حزب «المحافظين» الذي استقال بسبب موقف الحزب من بريكست، يقول في صحيفة «ايفينينج ستار» إن الانتخابات ستصبح في نهاية المطاف «خياراً مروعاً لعام 2019»، حيث يُجبر الناخبون على الاختيار بين «من تخلى عن كل شخص تعامل معه» وبين رجل لا يهتم «إلا بالطبقات والفصائل والصراع بين القوى السياسية المجردة»، ومما يزيد التشاؤم تعقيداً، تلك العلامات المثيرة للقلق بشأن الاقتصاد البريطاني. فالبيانات الاقتصادية الجديدة أظهرت أن البلاد تتفادى ركوداً بشق الأنفس، لكن الاقتصاد أضعف مما كان عليه قبل عقد، وهناك مساحة ضيقة للمناورة. وبصرف النظر عن الفائز في الانتخابات، فربما يواجه أموراً أسوأ من مجرد «بريكست» سيتعين عليه التعامل معها.
كاتب متخصص في الشؤون الخارجية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»