هناك خطر يسميه «وان يو شول» عضو البرلمان الكوري الجنوبي بـ «خطر ترامب»، أي إمكانية أن يستيقظ ذات يوم على تغريدة من الرئيس الأميركي تعلن بشكل مفاجئ انسحاب الجنود الأميركيين من شبه الجزيرة الكورية. هذا القلق تغذيه مطالبة ترامب لكوريا الجنوبية برفع المساهمة المالية التي تدفعها لتغطية تكلفة نشر قوات أميركية في البلاد، وما يعتبره كثيرون هنا مقاربة الصفقات التي يتبناها الرئيس الأميركي تجاه التحالف.
والواقع أن كوريا الجنوبية ليست وحيدة. فقرار الرئيس ترامب المفاجئ الانسحاب من المناطق الحدودية في سوريا الذي أضعف الأكراد، زعزع الثقة في الولايات المتحدة والتزامها تجاه حلفائها الآخرين، من إسرائيل إلى تايوان ودول البلطيق.
وفي هذا الصدد، قال «وان»: «إذا سحبت الولايات المتحدة جنودها بشكل مباغت، فإن مظلتنا النووية ستختفي»، مضيفاً «ولكن ما الذي سيحدث لسلامة الشعب الكوري الجنوبي؟». «وان» وزميله المشرّع المعارض «بايك سونج جو» دعيا في سبتمبر الماضي إلى استراتيجية نووية كورية جنوبية جديدة، مقترحين نشر أسلحة نووية في البلاد تحت القيادة المشتركة للقوات الأميركية والكورية الجنوبية، تماماً على غرار الأسلحة النووية الأميركية المتقاسَمة مع دول «الناتو». هذا في حين ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، مجددين فكرة أن كوريا الجنوبية ستضطر في نهاية المطاف إلى اكتساب رادعها النووي الخاص بها.
وقال «بايك» في هذا الصدد: «إن الرئيس ترامب يصعب التنبؤ بتصرفاته»، مضيفاً «إنني أشعر بالقلق عندما أنظر إلى الكلمات التي استخدمها ترامب عندما أعلن سحب الجنود الأميركيين من سوريا». ترامب عاد، خلال العامين الماضيين، إلى فكرة مركزية تسكنه: أن كوريا الجنوبية، «الدولة الثرية جداً»، لا تدفع ما يكفي لتغطية تكلفة نشر نحو 28 ألفاً و500 جندي أميركي على شبه الجزيرة.
وفي سنغافورة، بعد قمة 2018 مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، قال ترامب إنه يرغب في إعادة كل القوات الأميركية إلى الوطن «في مرحلة ما»، داعياً إلى نهاية المناورات العسكرية المشتركة «الباهظة جداً» و«الاستفزازية» بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
ومع أن موظفيه الكبار حاولوا إقناعه بأن وجود الجنود الأميركيين يخدم أيضاً المصالح الاستراتيجية الأميركية الأكبر، إلا أن الرئيس كان واضحاً بشأن حقيقة أن الجمهورية الكورية «تستطيع وينبغي أن تسهم بشكل أكبر في حصتها العادلة من التكاليف»، وفق تعبير وزارة الدفاع.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال السفير الأميركي إلى كوريا الجنوبية «هاري هاريس»، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إن التزامنا بالدفاع عن الجمهورية الكورية قوي وصلب»، مضيفاً: «إن تحمل تكاليف هذا الالتزام عبء لا ينبغي أن يقع على كاهل دافع الضرائب الأميركي فقط. وإذا كانت تحالفاتنا غير قائمة على الصفقات البتة، فإن كوريا، وعلى غرار حلفاء آخرين، تستطيع وينبغي أن تفعل أشياء أكثر».
وبالنسبة لأنصاره، قد يكون ترامب محقاً. فحتى 2010، دفعت كوريا الجنوبية أكثر من نصف التكاليف اليومية للوجود العسكري الأميركي، مثل رواتب الموظفين المحليين العاملين في القواعد وتكاليف لوجستية أخرى. ولكن بحلول 2018، انخفضت تلك النسبة إلى 41 في المئة.
غير أن كوريا الجنوبية تشير، بالمقابل، إلى أنها توفّر أيضاً الأرض للقواعد مجاناً، وتنفق مليارات الدولارات سنوياً على المعدات العسكرية الأميركية، كما أنها وفّرت 92 في المئة من الـ 10.7 مليار دولار التي كلّفتها عملية نقل القاعدة الأميركية الرئيسة من سيؤول إلى معسكر هامفريز في بيونجتايك، الواقعة على بعد نحو 64 كيلومتراً إلى الجنوب من سيؤول.
وكانت كوريا الجنوبية قد رفضت، العام الماضي، الرضوخ لمطالب الولايات المتحدة بخصوص زيادة كبيرة في المساهمة المالية الكورية الجنوبية، ولم توافق إلا في فبراير الماضي على رفع مساهمتها بـ 8.2 في المئة، إلى نحو 900 مليون دولار. ولكن الاتفاق كان مؤقتاً يمتد على مدى عام واحد بدلاً من السنوات الخمس المعتادة.
ولكن هذه المرة، تبدو إدارة ترامب مصممة على تحقيق مطالبها. فقد طلبت زيادة بخمسة أضعاف، كما قال «هاريس» لصحيفة «دونج إيه إلبو» مؤخراً. وهذا يعني ضمنياً أنه مطلوب من كوريا الجنوبية تغطية كل ميزانية العمليات والصيانة البالغة 2.2 مليار دولار، إضافة إلى 2 مليار دولار أخرى لرواتب الجنود الأميركيين، وفق أرقام ميزانية وزارة الدفاع.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الكوريين الجنوبيين يدعمون التحالف والوجود العسكري الأميركي، ولكن قلة قليلة منهم تعتقد أنه ينبغي على بلدهم أن يدفع أكثر. وكان مشرّعون من الحزب الحاكم قالوا الشهر الماضي إنهم سيعارضون مصادقة البرلمان على أي اتفاقية «مجحفة» وغير مقبولة من قبل الشعب الكوري. الخطاب الصادر عن الجانبين هو أن العلاقة بينهما هي «علاقة اختلطت فيها الدماء» بعد أن حارب الجيشان جنباً إلى جنب في الحرب الكورية 1950-1953. ولكن «وان» و«بايك»، المشرّعين من حزب «كوريا الحرية»، يقولان إن الخطاب أُضعف بسبب تركيز ترامب المستمر على المال.
سايمون دينير* ومين جو كيم**
*مدير مكتب «واشنطن بوست» في طوكيو
** مراسلة واشنطن بوست في سيؤول
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»