«إنهم لم يسجنون رجلا، بل حاولوا قتل فكرة، لكن الأفكار لا تختفي»، هكذا قال السجين المفرج عنه، وهو لويس إينياسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي اليساري السابق الذي أُودع السجن العام الماضي بتهم فساد يقول أنصاره إنها ذات دوافع سياسية. «لولا» غادر منصبه في عام 2010 بمعدل تأييد شعبي يناهز 80 في المئة، وكان يُعتقد أنه في الطريق للعودة إلى السلطة في عام 2018، لكن سجنه عبّد الطريق لرئاسة المرشح اليميني جائير بولسونارو، الذي ما فتئ يعارض بشدة ما يعتبره خيانة واستبداد أيديولوجيا اليسار.
لكن المحكمة العليا البرازيلية حكمت الأسبوع الماضي بأن «لولا»، إلى جانب عشرات الأشخاص الآخرين المشمولين بتحقيق متواصل يتعلق بالفساد أعاد تشكيل ملامح المشهد السياسي البرازيلي، سُجنوا ظلماً وبدون تلقي محاكمة عادلة، أي أنهم حُرموا من حقهم في استئناف الأحكام التي صدرت في حقهم قبل السجن. ويوم الجمعة الماضي، خرج «لولا» من السجن وكانت في انتظاره حشود من أنصاره في حزب «العمال» ذي الميول اليسارية.
وقال «لولا» بعيد الإفراج عنه في مدينة كوريتيبا الواقعة جنوب البلاد: «ليست لديكم أي فكرة عن معنى أن أكون هنا معكم»، مضيفاً: «لم أكن أعتقد، أنا الذي كنت أتحدث مع الشعب البرازيلي كل حياتي، أنني سأستطيع التحدث اليوم.. لقد كنتم في كل يوم الوقودَ الذي أحتاجه حتى أكون».
ومن على بعد آلاف الكيلومترات إلى الشمال، جاءت رسالة دعم مفاجئة. إذ عبّر المشارك في السباق الداخلي على ترشيح «الحزب الديمقراطي» للانتخابات الرئاسية الأميركية السيناتور بيرني ساندرز (عن ولاية فيرمونت)، في تغريدة له على تويتر، عن إعجابه بسياسات «لولا» اليسارية، وندّد بسجنه. وقال ساندرز: «إنني سعيد بالإفراج عنه من السجن، وهو شيء ما كان ينبغي أن يحدث أصلا». ومن جانبه، شكر «لولا» المرشحَ الأميركي على «تضامنه»، معبّراً عن «الأمل» في أن تكون لدى الحزب الديمقراطي «الحكمة لترشيح مرشح له رؤيتك للعالم».
ويبدو أن الساحة باتت الآن معبّدة ل«لولا» الذي يشعر بالاستياء وبأنه بات أكثر قوة لنقل المعركة إلى بولسونارو، الذي غازل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إطار محور يميني جديد في الأميركيتين. وفي الخطاب الذي ألقاه على أنصاره الأحد الماضي ودام 45 دقيقة، قال «لولا»: «إذا عملنا بجد، فإن ما يسمى باليسار الذي يخشاه بولسونارو كثيراً سيهزم اليمين المتطرف في عام 2022»، متعهداً بإنشاء تحالف جديد ضد بولسونارو.
وحتى قبل إطلاق سراحه، كان «لولا» قد صوّر كفاحه على نحو أكثر عالمية. ففي رسالة موجهة إلى «حزب العمال» البريطاني كتبها من السجن في وقت سابق من هذا العام، ندّد «لولا» بـ«التقشف» الذي تدافع عنه إدارة بولسونارو، وما اعتبره «الكلمة السحرية التي يستخدمها الأغنياء في أكثر من مكان لمهاجمة حقوق الطبقة العاملة وإنجازاتها». وأضاف قائلا: «يقولون ينبغي علينا أن نحمي الموارد ونخفض التكاليف وهم يفككون البلاد ويزدادون غنى بينما يزداد الفقراء فقراً. هكذا هو الأمر في المملكة المتحدة، وهكذا هو الأمر مرة أخرى في البرازيل».
وقد بنى بولسونارو سياسته على سنوات من الرفض لحكم اليسار، وبما في ذلك إلغاء بعض الإجراءات التي قيل إنها تهدف إلى حماية البيئة، والسعي لخصخصة المؤسسات العمومية، والانخراط في معركة تستهدف حقوق السكان الأصليين والمثليين. وبعد الإفراج عن «لولا»، سخر بولسونارو من خصمه اليساري، وقال: «ينبغي ألا نمنح مجالا لشخص مدان»، مضيفاً: «لا تعطوا ذخيرة للمارق الذي بات حراً بشكل مؤقت، لكنه مذنب كلياً».
وبالفعل، فما زال هناك الكثير مما يتعين على «لولا» أن يتغلب عليه. وفي هذا الإطار، كتب زميلاي ترانس ماكوي وهيلويسا ترايانو يقولان: «إن الطريق القانوني الذي أمام (لولا)، الذي يُعد أول رئيس برازيلي من الطبقة العاملة، ما زال شاقاً وطويلا»، مضيفين: «إنه يواجه ثماني محاكمات أخرى تتعلق بتهمتي الفساد وغسيل الأموال. وكان (لولا) قد اتُّهم في 2016، في إطار تحقيق (عملية غسل السيارة) باستغلال النفوذ الحكومي من أجل تجديد العقار الذي يملكه على الشاطئ».
«لولا» لم يكن المسؤول الوحيد الذي قُبض عليه في قضية «عملية غسيل السيارة»، التي تورط فيها آخرون من حزبه إضافة إلى عدد من السياسيين في فصائل محسوبة على اليمين في قضايا مختلفة بتهم الرشوة واستغلال النفوذ وتلقي عمولات عن عقود وصفقات عامة. لكن المدافعين عنه يشككون في التهم الموجهة له والأدلة التي تستند إليها. والآن، قد تعني عملية الاستئناف استمرار الإجراءات ضد «لولا» في الخلفية لعدة أشهر قادمة، بينما يعمل بحرّية على حشد المعارضة البرازيلية وتعبئتها.

*صحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»