يجرّم قانون العقوبات أشكال العنف التي تقع في الأسرة كما لو أنها واقعة بين غرباء في الشارع، فرأى المشرع أن يخص الأسرة بقانون خاص للحد من حالات العنف الأسري التي لم تكن معهودة سابقاً، أو كانت قليلة الوقوع، أو كانت القيم الأسرية تحول من دون الكشف عنها، أخذاً بالاعتبار خصوصية العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة.
ورغم أنّ قانون العقوبات يتناول بالتجريم والعقاب مختلف صنوف الخروج عن السلوك البشري السوي، كالقتل والاغتصاب والسرقة والاحتيال والتزوير، فثمة صور للجرائم، أو ظروف ارتكابها، أو خطورة آثارها.. تفرض على المشرع أن يشتق من قانون العقوبات قوانين عقابية خاصة.
وكمثال، يعاقب قانون العقوبات الصادر سنة 1987 على جريمة الغش في المعاملات التجارية. ولأن أنماطاً من الغش ظهرت بتطوّر الحياة وتوسّع الأسواق وتشابك المعاملات، أصدر المشرع سنة 2016 قانوناً يختص بمكافحة الغش التجاري. فقد صدر مؤخراً مرسوم بقانون اتحادي في شأن الحماية من العنف الأسري، يعاقب مَن يتجاوز ما له مِن ولاية أو وصاية أو إعالة أو سلطة أو مسؤولية في الأسرة نحو فردٍ منها بالإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، مفوّضاً مجلس الوزراء في إصدار القرارات واللوائح والنظم اللازمة لتحقيق أهداف القانون بناءً على اقتراح من وزير تنمية المجتمع.
وهو الأمر الذي نوّه عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي،  في تغريدة لسموه، مشيراً فيها إلى إقرار سياسة تتضمن آليات الحماية والتدخل والوقاية من كل أنواع العنف الأسري، مؤكداً سموه أننا «لا نتسامح في دولة الإمارات مع أي نوع من الأذى نحو طفل صغير، أو شيخ كبير، أو امرأة ضعيفة».
ولعلّ أبرز ما حفل به هذا القانون هو نظام أمر الحماية الذي سيُعمل به لأول مرة في الدولة، إذ سيكون للنيابة العامة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب من المعتدى عليه إصدار أمر حماية يُلزم المعتدي بعدم التعرّض للمعتدى عليه، ويمكن أن يمتد هذا الأمر إلى نحو ستة أشهر، وذلك تحت طائلة العقاب عند المخالفة.
وأعتقد أنّ الآليات المزمع اتخاذها لدفع هذا القانون المستحدث إلى مجال التطبيق العملي ستعطي دوراً أكبر للمؤسسات المعنية، بحيث لا يبقى ضحية العنف الأسري مثل أي ضحية خارج نطاق الأسرة، بالنظر إلى أنّ المعتدي والمعتدى عليه يعيشان تحت سقف واحد، وللجاني سُلطة مباشرة ويومية على المجني عليه.
كما أن مجرد إصدار قانون للحماية من العنف الأسري من شأنه الحدّ من حالات التعنيف مستقبلاً، فالمتسلّط على أسرته بالأذى والتهديد والحرمان والتضييق والمساومة على أساسيات الحياة، سيفكّر ألف مرة قبل أن يتصرّف كما يحلو له، فثمة جهات رسمية لها الحق في التدخل بغير الإجراءات العادية التي تتخذ في الخلافات خارج الأسرة.
هذا فضلاً عن أنّ القانون الجديد من شأنه زيادة الوعي لدى الكافة، سواء أرباب الأسر، أو أفرادها، أو القائمين على شؤون المؤسسات ذات الصلة، بأن استقرار المجتمع من استقرار الأسرة.‏?

*كاتب إماراتي