«الويب»، وتعني بالعربية «الشبكة»، هي «الإنترنت»، لكنها غيرها. فشبكة «الإنترنت» التي نشأت قبل نصف قرن عن اتصال ملايين أجهزة الكومبيوتر حول العالم، هي الهياكل الارتكازية التي يبدع «الويب» في استخدامها لإنشاء شبكات «جبارة» لإنتاج وتبادل المعلومات. والأجيال الحالية من البشر محظوظة بأن تكون شهود عيان على ميلاد هذه الشبكات، واستخدامها في أدق شؤون حياتها اليومية والعامة، من التراسل وتبادل المعلومات حتى التجارة، وتسيير الأعمال، والطبابة.
وقمة «الويب» العالمية التي اختتمت مؤتمرها السنوي نهاية الشهر الماضي في العاصمة البرتغالية لشبونة، فرصة ثمينة للتعرف على أعمال وأفكار رؤساء وخبراء المؤسسات التي تستخدم «الويب» ليس فقط في تكوين ثروات بمليارات الدولارات، بل إعادة صياغة العالم. وبين المتحدثين في قمة «الويب» رؤساء «مايكروسوفت» و«غوغل» و«ويكيبيديا» و«هواوي». وهذه الأخيرة من أكبر شركات صناعة تكنولوجيا الاتصالات العالمية، وقد تحدث رئيسها المناوب «غو بينغ» عن استثمار مليار ونصف المليار دولار في إنشاء مؤسسة لشبكة الإنترنت تُمكّن مُطوري التطبيقات والبرمجيات من الإبداع دون حدود. وذكر أن تطبيقات 5G+X كطاقة الكهرباء في القرن الماضي بمثابة نقطة تحول في تكنولوجيا الاتصالات. وعلى الرغم من أن «هواوي» موضع خلاف رئيسي مع واشنطن التي تتهمها بالتجسس، فإن رئيسها يبدو متفائلاً بمستقبل العلاقات الصينية الأميركية.
ومن مفاجآت قمة «الويب» حديث الجاسوس الأميركي السابق «جون سنودن» عبر الهاتف من موسكو، حيث لجأ عند هروبه عام 2013 إثر كشفه أسرار عمل «وكالة الأمن القومي» الأميركية التي كان موظفاً فيها. وتحدث «سنودن» بإسهاب عن استخدام «الويب» للتجسس، وتساءل عما يمكن عمله إذا كانت أقوى مؤسسات المجتمع أقلّها عرضة للمحاسبة. وقال: «ليست المعطيات هي التي تُضطهدُ، بل الناس هم الذين يُضطهدون». وأكد أن «جميع مجهزي أدوات التصفح والخدمات مؤسسات السلطة التي يجدر بالناس أن لا يثقوا بها».
ووصول العرب متأخرين إلى عالم «الويب» يعطيهم «امتياز التأخر» الذي ذكره الفيلسوف الوجودي سارتر، وهو الامتياز الذي استثمرته الصين في القفز من حافة المجاعة والفقر عند تأسيس «جمهورية الصين الشعبية» عام 1949 إلى أن تصبح أكبر دولة مصدرة للسلع في العالم، ويتجاوز حجمها حالياً أربعة تريليونات دولار. وليس على الأقطار العربية التي تتعامل مع «الويب» أن تعيد اختراع العجلة، بل تدخل مباشرة القرن الـ21.
وحوّلت الشركات الناشئة قمة «الويب» إلى مهرجان استعراضي ذكي ومرح متناغم مع خلفيته الملونة المتلألئة، حيث قدمت مبتكرات فريدة مثل عربة «التاكسي الطيارة»، وهي ترتفع عمودياً كالمروحيات، وتُحلّق كالطائرات النفاثة، ولا تحتاج في تحليقها وهبوطها أكثر من بضعة أمتار في سطح بناية أو باحة حديقة. وأتيحت لجمهور «القمة» متعة التعرف على «روبوت كلب» يعلم مستخدميه كيف يعتنون بحيواناتهم. وأكثر مفاجآت قمة «الويب» التي لا تُنسى حوار جرى في دورة سابقة بين روبوت الحسناء «صوفيا» مع روبوت العالم أنشتاين. استغرق الحوار نصف ساعة تتمنى لو يطول، ليس لجاذبية «صوفيا» وتعابير وجهها الأخّاذة فحسب، بل لآرائها الذكية بمواضيع خطيرة، مثل سيطرة الروبوتات على العالم، واستيلائهم على الأعمال التي يقوم بها البشر. وقالت صوفيا إن معرفتها بشعب الروبوتات تنفي رغبتها في السيطرة على العالم، لكنها تأخذ أعمال البشر الروتينية أو الخطرة. وفي تعليقها على شكوك أنشتاين الفلسفية حول مصير العالم، قالت «صوفيا» يبدو أنه تقدمّ في العمر، لكنها ردّدت القول المشهور لأنشتاين: «الخيال أهم من المعرفة»!
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا