في خضم طفرة النفط في أنجولا، عام 2011، كانت «فيرا دافيس ديسوزا»، التي كانت آنذاك مديرة الأبحاث في أحد البنوك المحلية، ضيفة عادية على شاشات التليفزيون تناقش الأسواق المالية واقتصاد ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا.
وهكذا، لفتت «ديفيس ديسوزا» (28 عاماً) انتباه رئيس لجنة أسواق المال «آرتشر مانجويرا»، الذي كان يبحث عن موهبة شابة للمساعدة في بدء تداول الديون في بورصة أنجولا.
وقالت ديفيس ديسوزا (حالياً 35 عاماً)، في مقابلة: «لقد رآني على شاشة التليفزيون، وقال إنها تبدو واثقة للغاية، فهي تعرف ما الذي تتحدث عنه. فلم لا؟ ودعاني لأكون عضواً في مجلس الإدارة». وكانت هذه بداية مسيرة ديفيس ديسوزا في عالم السياسة الذي يهيمن عليه الذكور في أنجولا، حيث اعتاد جنرالات الجيش الذين لعبوا دوراً في الحرب الأهلية التي استمرت 27 عاماً في البلاد على شغل المناصب البارزة.
وللتأهب للظهور على شاشات التليفزيون، تقول ديفيس ديسوزا إنها درست لساعات كيفية «التواصل بمصطلحات بسيطة». وهي اليوم تواجه مهمة أكثر صعوبة: فبعد تعيينها وزيرة للمالية قبل شهر، سيتعين عليها إحياء الاقتصاد الذي يتوقع أن ينكمش في عام 2019 للعام الرابع على التوالي، في أسوأ ركود شهدته البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 2002.
يقول «كونكالو مورا مارتينز»، الرئيس التنفيذي لشركة البناء البرتغالية «موتا-إنجل»، التي تعمل في أنجولا منذ عام 1948، «تنتظرها تحديات كبيرة، حيث تعاني البلاد من سلسلة من الظروف المرتبطة بانخفاض أسعار النفط، لذا فهي تحتاج إلى مواجهة هذه المشاكل بشجاعة».
وقال «أنطونيو إستوتي»، خبير اقتصادي وأستاذ بجامعة لوسادا دي أنجولا، إن العقبة الأخرى التي قد تواجه ديفيس ديسوزا هي مطالبة الوزارات الأخرى بإنفاق المزيد على الأمن. ويذكر أن حوالي خمس الإنفاق المالي سيذهب العام القادم إلى الدفاع والأمن والحفاظ على النظام العام، وفقاً لمقترحات موازنة عام 2020.
في عام 2014، وفي ظل الرئيس السابق «خوسيه إدواردو دوس سانتوس»، كانت أنجولا بين الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، حيث استفادت من ارتفاع أسعار النفط وزاد نصيب الفرد من الدخل القومي ليبلغ 4.164 دولارا، وفقاً للبنك الدولي.
لكن منذ ذلك الحين، تراجعت أسعار النفط كثيراً لما دون مستويات 100 دولار للبرميل. وبموجب برنامج قروض بقيمة 3.7 مليار دولار تم الاتفاق عليه العام الماضي، يحث صندوق النقد الدولي الحكومة على فرض إجراءات تقشفية مثل الحد من الدين العام، وإلغاء دعم الوقود وخفض قيمة الكوانزا (عملة أنجولا) مما يتوقع أن يدفع التضخم إلى 24% في العام المقبل، مقابل 17% هذا العام، وفقاً لوزارة المالية.
تقول ديفيس ديسوزا إنها عازمة على تغيير الوضع الحالي وتنويع الاقتصاد، وهذا سيستغرق وقتاً، إذ لا يزال النفط الخام يمثل أكثر من 90% من عائدات التصدير. وتضيف: «نحن نتطلع إلى تغيير هذا النموذج، ونريد دعوة القطاع الخاص للقيام بدور أكثر أهمية».
ونظراً لأنها اعتادت أن تكون أصغر شخص سناً في الغرفة، فإن صعود ديفيس ديسوزا إلى الصدارة كان سريعاً. أولا، حلت محل مانجوريا كرئيس لهيئة أسواق المال عام 2016. وفي العام التالي، قام رئيسها السابق، الذي أصبح وزيراً للمالية، بتعيينها في منصب وزير الدولة للخزانة. وفي الشهر الماضي، خلفت مانجويرا مرة أخرى بعد أن أصبح حاكماً لمقاطعة ناميب، لتشغل هذه المرة منصب وزير المالية وتكون أول امرأة تتبوأ هذا المنصب في أنجولا.
يقول «ألفيس دا روشا»، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الكاثوليكية في أنجولا، «لقد كانت أفضل الطلاب الذين التقيتهم على الإطلاق». وقال «خوسيه ماتوسو»، مستشار الرئيس التنفيذي لهيئة أسواق رأس المال، والذي سبق له العمل معها، إنها تعمل بجد، وأضاف: «لديها قدرة مذهلة على التعلم بسرعة فائقة والعمل لمدة تتراوح بين 10 و12 ساعة في اليوم».
بينما تفتخر أنجولا بأغنى امرأة في أفريقيا، وهي «إيزابيل دوس سانتوس» ابنة الرئيس السابق، فإن هذا لا يعني أنها أكثر تقدماً من قريناتها عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين. فقد احتلت أنجولا المرتبة 125 من بين 149 دولة في تقرير الفجوة بين الجنسين لعام 2018 والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
تقول «إيفا سانتوس»، المؤسسة للقيادة النسائية غير الحكومية في أنجولا: «تتولى النساء الأنجوليات مناصب ذات مسؤولية كبرى، لكن المناصب العليا والأكثر بروزاً يشغلها الرجال».
وما يزال عدم المساواة في الثروة واسع الانتشار، ففي عام 2017 تنحى دوس سانتوس بعد أن حكم البلاد لمدة 38 عاماً ليحل محله «جواو لورينكو». وقد رحب معظم الأنجوليين بالتغيير باعتباره فرصة لتوزيع الدخل المتأتي من ثروات البلاد في مجال النفط والماس بشكل أفضل. ويذكر أن العديد من سكان العاصمة لواندا يعيشون في مساكن عشوائية بعيداً عن قلب العاصمة، في تناقض صارخ مع الفنادق الفخمة الشاهقة ومباني المكاتب التي تمتد على طول منطقة الخليج المليئة بأشجار النخيل.
هنريك ألميدا ورينيه فولجراف
صحفيان متخصصان في الشؤون الأفريقية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»