منذ أمد بعيد، كان الناس يعتقدون أن دورة الاقتصاد ترتبط بحدث طبيعي مثل منازل القمر. واتضح بطلان هذا الاعتقاد منذ فترة طويلة، لكن ظهر عدد من النظريات المنافسة الأخرى. فهناك كثير من نظريات التيار الرئيسي ترى أن نوبات الركود ناتجة عن أحداث لا يمكن التنبؤ بها- مثل التغير في سرعة الابتكار التكنولوجي أو السياسة النقدية أو أسعار الأسهم- تسرع عشوائياً نمو الاقتصاد أو تبطئه. وبعض النظريات البديلة تذهب إلى أن نوبات الازدهار تتسبب في ركود، لأن الأوقات الجيدة تسمح بتراكم الاستثمارات السيئة في النظام المالي. ووفقاً لهذه النظريات، كلما كان الازدهار كبيراً، كان الانهيار الذي يليه كبيراً.

ثم هناك ما يطلق عليه نموذج الجذب الذي طرحه الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان. ويذهب النموذج إلى أن الاقتصاد مثل وترٍ في آلة موسيقية. والكساد أحداث سلبية تجذب الوتر إلى أسفل، وبعد ذلك يندفع الوتر إلى أعلى. وتماماً كما يندفع الوتر بسرعة أكبر، كلما جذبته بقوة أكبر إلى أسفل، تذهب هذه النظرية إلى أنه كلما كان الكساد عميقاً، كان التعافي الذي يليه سريعاً. لكن المرء لا يستطيع إلا جذب الاقتصاد في اتجاه واحد فقط، لأن التوسعات الأكبر لا تؤدي إلى كسادٍ أكبر.

لكن هل نموذج الجذب صحيح؟ اقترح فريدمان الفكرة عام 1964 وجادل بأنه إذا كان محقاً، فنوبات الكساد في المستقبل ستظهر رابطة بين عمق الركود وسرعة التعافي الذي يعقبه. وانتظر 20 عاماً ليرى مدى إمكانية تحقق توقعاته. وفي عام 1993، فحص دورات الأعمال في السنوات المتداخلة، وخلص إلى أنه كان محقاً.

ومنذئذ، توصل آخرون إلى أدلة أخرى لدعم فكرة الجذب. وفي عام 2005، استخدم بحث للاقتصادية تارا سينكلير تقنيات إحصائية متقدمة، لتأكيد أن نوبات الركود الأكبر في الولايات المتحدة تبعها عمليات تعافٍ أسرع، لكن ليس العكس. وبعد الركود الكبير بين عامي 2007 و2009، فحص الباحثان جريجوري كليز وتوماس والش دولاً أوروبية، وخلصا إلى أن الدول التي عانت أكثر في الركود انتهى بها الحال إلى تعافٍ أسرع. لكن لا علاقة بين مدى جودة أداء البلاد قبل عام 2007 ومقدار ما عانته بعد ذلك. وكل هذه الأدلة توحي بأن الركود يتسبب في تعافٍ، لكن الازدهار لا يتسبب في عمليات ركود.
وهذا يتسق والخبرات الحديثة. فرغم الانخفاض الاستثنائي في نمو الإنتاجية، حقق الاقتصاد الأميركي نمواً قوياً من 2010 إلى 2014. ووفقاً لنظرية فريدمان، فقد كان هذا ببساطة نتيجة الهبوط الشديد الذي تعرض له الاقتصاد. وهذا يطرح سؤالاً عن سبب تصرف الاقتصاد كما لو أنه وتر يمكن جذبه إلى أسفل فحسب. ويعتقد الاقتصاديون «ستيفاني دوبراز» و«إيمي ناكامورا» و«يون شتاينسون» أن لديهم الإجابة. ففي ورقة بحثية جديدة، قدموا نموذجاً يشير إلى أن الأمر يتعلق بالطريقة التي تتعامل بها الشركات مع الأجور.
فمن السهل تعزيز أجور العمال، لكن من الصعب جعلهم يقبلون خفض الأجور. ولذا ففي أوقات الرخاء يغذي النمو ببساطة الأجور المرتفعة، لكن حين يحدث كساد أو صدمات سلبية أخرى تضر بمكاسب الشركات، يحجم أصحاب العمل عن تقليص الأجور، رغم أنهم يريدون ذلك ويفضلون فصل العمال. وكلما جرى فصل العمال، تزايد مقدار العمالة غير المستخدمة، وكان بوسع الاقتصاد أن ينمو بمجرد بدء التعافي.

وإذا صح نموذج «دوبراز»، فالفوائد من استقرار الاقتصاد كبيرة؛ لأنه من الممكن التصدي لنوبات الركود بتقليص أسعار الفائدة وتحفيز الإنفاق، دون أي تضحيات، في أوقات الرخاء.
*أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»