السياسة الخارجية الأميركية ليست في حالة جيدة حالياً، وهذا يثير السؤال: من يدير هذه السياسة؟ بالطبع يديرها الرئيس دونالد ترامب. وعندما وجهت الصحافية لورا إنجراهام، من قناة «فوكس نيوز»، السؤال لترامب في خريف 2017 حول ما إن كانت ثمة مشاكل في السياسة الخارجية الأميركية بسبب قلة السياسيين المعينين في وزارة الخارجية، أجاب: «دعيني أقول لك إن الشخص المهم هو أنا. إنني الوحيد المهم، لأنه في ما يخص هذا الموضوع، فهذه ستكون السياسة المتبعة».
يبدو ذلك جواباً بديهياً، غير أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية هاجم ترامب وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ومسؤولي الاستخبارات الذين ذهبوا إلى مقر الكونجرس ليشرحوا بعض الطرق التي تجاوزت بها سياسة ترامب الأوكرانية الحدود. وبالنسبة لأميركيين كثيرين، فهؤلاء مثال لدبلوماسيين مهنيين ومسؤولين أبدوا شجاعة سياسية للتبليغ عن تصرفات أتى بها الرئيس. غير أنه بالنسبة لأنصار الرئيس، فإن المقاومة البيروقراطية لجهوده الرامية للضغط على أوكرانيا تجسد مثالاً لعرقلة «الدولة العميقة» لإرادة الرئيس المنتخَب شرعياً.
والواقع أن ثمة حالات عديدة يكون فيها ترامب غير مطلع على قضايا معينة، بل رمبا لديه معلومات خاطئة حولها. غير أنه هو الرئيس، وكل الأشخاص الذين يدلون بشهاداتهم ويقدّمون إفاداتهم ضده هم أقل مرتبة منه في سلسلة القيادة، وبالتالي فمن واجبهم كموظفين غير منتخَبين أن يخدموا الرئيس المنتخَب للجهاز التنفيذي. لكن ذلك ليس واجبهم الوحيد، ولذا فإن تصوير هذا الموضوع على أنه صراع بين الرئيس و«البيروقراطية الدائمة» لا يستقيم. ذلك أنه عندما يؤدي موظفو الخدمة القَسم، فإنهم لا يقسمون على خدمة الرئيس، بل على «دعم دستور الولايات المتحدة وحمايته ضد كل الأعداء، الأجانب منهم والداخليين». وهناك مجموعة من القوانين التي ترغم موظفي الخدمة المدنية على مقاومة النزوات الرئاسية.
وعلاوة على ذلك، فإن السياسة الخارجية ليست منتج الرئيس وحده، بل هي أيضاً منتج القوانين والقرارات التي يمررها الكونجرس. ذلك أن الدستور منح الفرع التشريعي بعض الصلاحيات والاختصاصات المهمة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، مثل حق إعلان الحرب، ورفع الرسوم الجمركية، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات، وتمويل مشاريع السياسة الخارجية. وعندما حاول ترامب فرض مقايضة مع أوكرانيا من أجل أهدافه الخاصة على ما يفترض، فإنه كان يعرقل إرادة كونجرس منتخَب بطريقة شرعية اعتمد مخصصات لمنح أوكرانيا مساعدات عسكرية.
وأخيراً، من المفيد الإشارة إلى أنه حتى في حالة أوكرانيا، فإن كل أولئك المسؤولين غير المنتخَبين التزموا بأوامر ترامب بالفعل، إذ تم قطع المساعدات عنها، إلى أن علم الكونجرس بذلك. ولم يتم ترتيب زيارة للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض. وسعى بعض الدبلوماسيين، مثل كُرت فولكر، إلى إيجاد طريقة لتعزيز العلاقات الثنائية مع أوكرانيا عبر تلبية طلبات ترامب المتأثرة بمحاميه جولياني. كما تداولوا في ما بينهم بشأن ما إن كان هذا الشيء الصائب الذي ينبغي فعله، وأرسلوا برقية تخبر وزير الخارجية بشأن الجوانب الغريبة في السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا. المبلِّغ عن التصرفات غير القانونية استفاد من الحماية القانونية الممنوحة للمبلِّغين عن هذه الحالات.
إن مشكلة موضوع أوكرانيا لا تكمن في أن الدولة العميقة عارضت إرادة ترامب، وإنما في أن إرادته كانت تتمثل في السعي وراء مقايضة شخصية. وحالما علم الكونجرس بذلك، أُجبر أولئك المسؤولون على الإدلاء بشهاداتهم والتبليغ عما رأوه، رغم جهود ترامب الرامية لمنعهم من ذلك، ومحاولات موظفيه إخفاء الأدلة.
ولا شك أن لدى الرؤساء كل الحق في أن يتوقعوا من موظفيهم ومرؤوسيهم تنفيذ أوامرهم حينما ينتهي النقاش. وبالطبع، لدى الموظفين والمرؤوسين الحق في أن يتوقعوا من قائدهم الأعلى الالتزام بقدر بسيط من احترام حكم القانون.

*أستاذ السياسة الدولية بجامعة تافتس الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»