رغم تصاعد شعبية الخضر في ألمانيا وفي مناطق أخرى من أوروبا، فإن أداءهم كان سيئاً في انتخابات 27 أكتوبر المنصرم في ولاية تورينجن الألمانية، بينما أبلى القوميون من حزب «البديل من أجل ألمانيا» بلاءً حسناً للغاية. والسبب المهم في هذا أن الخضر يؤيدون طاقة الرياح، بينما يتصدى حزب البديل لطواحين الهواء التي تولّد طاقة الرياح. فقد تفاقمت عدم شعبية الطواحين لدرجة كاد يتوقف معها بناؤها في ألمانيا.

وهناك نحو 30 ألف طاحونة هواء في ألمانيا، وهو العدد الأكبر من أي دولة أخرى في أوروبا، حيث حصلت ألمانيا على 23.5% من طاقتها من الرياح هذا العام، ما يجعل الرياح أكبر مصدر للطاقة المتجددة في البلاد. لكن في النصف الأول من عام 2019 أضيفت 35 طاحونة فقط، بانخفاض نسبته 82% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018. وكان العام الماضي سيئاً كذلك، حيث أضافت ألمانيا 743 طاحونة فقط، مقارنة بـ1792 أضافتها في عام 2017.

وهذا يحدث لأنه أصبح من الصعب الحصول على تصريح لإقامة طواحين هواء جديدة. فاللوائح المحلية تتزايد صرامة. وقررت ولاية بفاريا عام 2014 أن المسافة بين طواحين الهواء وأقرب منزل لها يتعين أن تكون عشرة أمثال ارتفاع برج الدوارة. ومع الأخذ في الاعتبار كثافة المساكن، فقد جعل هذا من الصعب العثور على مكان للطواحين. وتطوير طاقة الرياح توقف عملياً في الولاية الآن. وأقرت ولاية براندبورج قانوناً هذا العام، يطالب جهات تشغيل مزارع طواحين إنتاج الطاقة من الرياح بدفع 10 آلاف يورو سنوياً للتجمعات التي تبعد ثلاثة كيلومترات من الطواحين.
ومشروعات توليد الطاقة من الرياح يجري رفضها أو وقفها، لأنها ربما تشوه الاتصالات العسكرية والتحكم في حركة الملاحة البحرية ومحطات البث الإذاعي.
وعادة ما يتوجه الخصوم المحليون لمزارع إنتاج الطاقة من الرياح إلى المحاكم لوقف إضافة الجديد منها، أو تطالب حتى بتفكيك القائمة منها. وذكرت جماعة ضغط معنية بصناعة توليد الطاقة من الرياح، تعرف باسم «بي. دبليو. إي»، أن القضاء ينظر في 325 برجاً لدوارات الرياح تولّد أكثر من جيجاوات واحدة، أي نحو 2% من إجمالي الطاقة في البلاد. والمثير للسخرية أن المتقدمين بالدعاوى «خضر» تماماً مثل المدافعين عن طاقة الرياح، وأحدهم منظمة عملاقة للحفاظ على البيئة وهي «إن. ايه بي. يو» التي تقول إنها ليست ضد طاقة الرياح، لكنها تطالب بتنظيم إقامة الطواحين مع أخذ الحفاظ على البيئة في الاعتبار. ونصف الشكاوى تقريباً يراد بها حماية أنواع مختلفة من الطيور. وآخرون يدعون أن الدوارات تصطنع الكثير للغاية من الضوضاء، أو الكثير للغاية من الموجات تحت الصوتية منخفضة التردد. وبصرف النظر عن وجاهة هذه المزاعم، فالمشروعات معلقة في المحاكم، حتى بعد أن تجاوزت الكثير من العراقيل الضرورية للحصول على تصريح.
والسبب الآخر للمقاومة المحلية لمزارع الرياح، هو كراهية الناس للطريقة التي تغير بها أبراج الدوارات منظر المنطقة. وفي ولاية تورينجن شعر السكان بالانزعاج من خطة لحكومة الولاية التي توشك فترة حكمها على الانقضاء والتي تضم الخضر فيها، من أجل تخصيص منطقتين للطواحين في غابة يحبها السكان. وهناك 40 جماعة تعمل ضد إقامة مزيد من الطواحين في الولاية الصغيرة التي يقطنها مليونا نسمة. وهذه الحركة تحقق نتائج فيما يبدو؛ فلم تتم إقامة إلا ست دوارات حتى الآن من هذا العام، مقارنة مع 51 طاحونة في عام 2017. ورغم أن معظم المبادرات ذات دوافع بيئية والنشطاء لا يريدون شيئاً من حزب البديل، فإن الناخبين العاديين الذين يريدون عدداً قليلا من طواحين الهواء، يتوافقون مع الحزب الذي يعد بوقف مشروعات إقامتها.
وهذا المناخ السياسي والتنظيمي الصعب يخلق الكثير من عدم اليقين للمستثمرين، فيما تستعد الحكومة الألمانية لإنهاء دعم طاقة الرياح تدريجياً. وتوقعت دراسة أجريت في الآونة الأخيرة أنه إذا استمرت العراقيل الحالية، فإن العمالة في صناعة إنتاج طاقة الرياح، وقد بلغت 64 ألف شخص، ستنخفض بنسبة 27% عام 2030.
وتدرك الحكومة الألمانية هذه الصعوبات، وتحاول أن تنقل تركيز خططها في الطاقة المتجددة إلى الطاقة الشمسية التي يمثل إنتاجها نحو 10% من مزيج الطاقة الألماني الحالي، ومن الصعب توقع قدرتها على تعويض التراجع في صناعة طاقة الرياح. وألمانيا ليست من أكثر دول العالم في سطوع الشمس.
ودون انفراجة تكنولوجية تقلص عدد طواحين الهواء، سيكون من الصعب دفع الإنتاج إلى المستوى المطلوب لتحقيق الأهداف المناخية. وفي مجال الطاقة المتجددة، ليست المنافسة على الوقود الأحفوري هي المشكلة الوحيدة، بل ربما تكون السياسة المحلية عقبة أكبر.

*كاتب روسي مقيم في ألمانيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»