ألقى هجوم قاتل على موقع عسكري ناءٍ في مالي الضوء على استمرار وجود عناصر إرهابية على امتداد مساحات شاسعة من أفريقيا، في الوقت الذي يتباهى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلحاق الهزيمة بقوات «داعش» في مناطق أخرى من العالم. فقد قُتل 53 جندياً على الأقل ومدني واحد يوم الجمعة الماضي، حين هاجم متشددون موقعاً عسكرياً في مالي بالقرب من الحدود مع النيجر. ويؤكد خبراء أن الهجوم واحد من أكثر الهجمات دموية ضد القوات المالية، وتذكرةً داميةً بأن إرهابيي «القاعدة» و«داعش» في مالي يعملون على اكتساب زخم في المنطقة.
عوامل كثيرة دفعت إلى صعود هؤلاء المتشددين - مثل الفقر المدقع والإهمال الحكومي وانعدام الأمن واستغلال الاختلافات العرقية - تشبه تلك التي مكنت «داعش» في عام 2014 من تكوين أجهزة شبيه دول في العراق وسوريا، حتى طردتهم قوات سورية وعراقية مدعومة من الولايات المتحدة عام 2017. ويرى الخبراء أن غياب رد ملائم على هذه المخاوف يساعد أيضاً على إعادة ترتيب الإهابيين لصفوفهم في غرب أفريقيا وغيرها.
فما الذي يحدث في مالي؟ إنها دولة كبيرة المساحة تتاخم سبع دول في حدود سهلة الاختراق عادة. وهي ضمن منطقة الساحل من أفريقيا القاحلة للغاية. وفي عام 2012، اقتحم إرهابيون شمال مالي وسيطروا على المنطقة. وبعد عام طردتهم قوات مالية مدعومة من فرنسا التي كانت تحتل البلاد سابقاً. لكن هذا لم ينه الصراع. ومنذئذ، استمر انعدام الأمن، بينما انتشرت هجمات المتشددين إلى مناطق أخرى من مالي ومناطق مجاورة أخرى.
وكتبت الصحفية «شيفون أوجرادي» من «واشنطن بوست»، في وقت سابق هذا العام، تقول: «الحكومة تفتقر إلى القوات الكافية لتغطية أراضيها».
ما المختلف هذه المرة؟ في الشهور القليلة الماضية استخدم الإرهابيون في مالي حيلة جديدة لتوسيع سيطرتهم. إنهم يحاولون التفريق بين الجماعات العرقية والسيطرة عليها. وجاء في تقرير دانيالا باكيت من «واشنطن بوست» في أكتوبر الماضي «أن الإرهابيين الذين حاولوا ذات مرة غزو مالي بالقوة يستخدمون هذه المرة استراتيجية خبيثة. ويقول خبراء أمنيون إن الإرهابيين الذين يتصلون بتنظيمي «القاعدة» و«داعش» يستفزون الحزازات بين الجيران القدامى مثل قبيلتي الفولاني والدوجون، ويكسبون أرضاً بتقديم حماية الضحايا من الصراع الذي أججوه».
ويفر الماليون من ديارهم بأعداد قياسية. فقد نزح 140 ألف شخص هذا العام بزيادة سبعة أمثال منذ عام، وفقاً لبيان من «مركز مراقبة النزوح الداخلي». ومنذ يناير الماضي، حصد القتال 817 مدنياً، ارتفاعاً من 574 مدنياً عام 2018 وفقا لـ «مشروع بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة».
إلى أين يصل العنف؟ الفوضى انتشرت جنوباً إلى بلدان لم يكن يهزها الإرهاب من قبل، بما في ذلك «بوركينا فاسو» وبنين. وتهدد الفوضى بأن تحول القطاع النامي من غرب أفريقيا إلى ملاذ للجماعات الإسلامية المتطرفة التي فقدت أراضي في سوريا والعراق، وتستهدف استقطاب اتباع في مناطق أخرى. وذكر تقرير لأسوشيتدبرس في نهاية أكتوبر الماضي، أن الحدود بين مالي وبوركينافاسو هي أحدث النقاط الملتهبة. وخلال الشهر الماضي، وفي أسبوع واحد فقط، كان هناك متطرفون في بوركينافاسو ضالعين في قتل 19 مدنياً على الأقل.
أما الجهود الرامية للتصدي للإرهاب في غرب أفريقيا، فقد ظهرت بوضوح عام 2017، عندما دشنت خمس دول في منطقة الساحل، وهي بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قوة لمكافحة الإرهاب مدعومة من فرنسا، وهي «قوة الساحل لمجموعة الخمس»، والجنود مكلفين بتعزيز الأمن مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ولذا أصبحت القوتان هدفاً لهجمات المتشددين. وحذر خبراء من أن الأمن وحده لن يوقف المتمردين.
وفي أبريل الماضي استقال رئيس وزراء مالي سوميلو بوبي مايجا وحكومته، بسبب قنوط الجمهور من الفشل في التصدي للعنف، وقبل استقالته حذر من أن «ضعف داعش في العراق وسوريا قد يدفع المقاتلين إلى تحويل اهتمامهم إلى منطقة الساحل التي توفر فيها الحدود سهلة الاختراق، وتراخي الأمن، تربةً خصبة للجماعات المتطرفة».
*صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»