دعم الشباب ليس شعاراً مفرّغاً من محتواه، إنما هو سياسة تتبعها حكومتنا التي وضعت هذا الأمر ضمن أولوياتها واستراتيجياتها التي تحققها من خلال القوانين والتشريعات والسياسات كذلك، في سبيل تحقيق مسعاها بخصوص تمكين الشباب ودعمهم والاستثمار فيهم، وهي نقطة في غاية الأهمية.
حقيقة تتملكني مشاعر البهجة والسعادة وأود أن أشرككم معي فيها؛ بدءاً من تدشين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، مروراً باستضافة دبي بطولة العالم للروبوت والذكاء الاصطناعي (FIRST Global Challenge)، إلى مشاركة بعض أبنائنا في قمة عالم شباب واحد التي استضافتها لندن مؤخراً، وافتتاح مركز الشباب بأبوظبي من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وإذ لا تسعفني المساحة في الحديث عن تفاصيل كل تلك الفعاليات؛ فإنني - ومن مبدأ ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه - سوف أركز حول حدثين فقط، نظراً لارتباطهما بالذكاء الاصطناعي، وتوظيفه في خدمة البيئة والمجتمع.
أبدأ من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي ولدت عملاقة لأنها أولاً تحمل اسم أحد أغلى رجالات وقيادات الإمارات، وثانياً لأنها الجامعة الأولى على مستوى العالم المتخصصة بالدراسات العليا لبحوث الذكاء الاصطناعي. ومن هنا فإن هذه الجامعة الظبيانية تشكّل بحق خطوة جريئة وغير مسبوقة عالمياً، خاصة وأنها تتطلب إمكانات كبيرة وكثيرة، وعلى رأسها تجهيز الجامعة بالمختبرات، واستقطاب كادر أكاديمي متخصص في هذا المجال الذي أصبح أحد أهم مجالات العلوم التطبيقية.
ومنذ الإعلان عن تأسيس الجامعة جاء الرد مبشراً من قبل الراغبين باستكمال دراساتهم في هذا المجال، وخلال أسبوع واحد فقط تقدم آلاف الخريجين من مختلف دول العالم، وهو بالفعل ما فاق التوقعات. ومع أن الدراسة فيها لن تبدأ قبل شهر سبتمبر 2020؛ إلا أن هذا الإقبال يعكس أهمية رؤية الإمارات نحو ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتعليم العالي، ويدعونا لأن نتهيأ للنقلة النوعية التي ستشهدها الدولة في هذا المجال خلال السنوات القليلة القادمة. خاصة أن الجامعة حددت في كتيبها التعريفي وعلى موقعها الإلكتروني أهدافها الاستراتيجية التي تركز على دعم الجهود لإرساء دعائم اقتصاد المعرفة القائم على الذكاء الاصطناعي وضمان استدامته، وضمان رفد مختلف القطاعات والمؤسسات العامة بالكوادر البشرية والمهارات والموارد التي تكفل لها تبوؤ المكانة الأمثل ضمن فئتها في ميادين استخدام الذكاء الاصطناعي، واجتذاب أفضل المواهب والكفاءات في القطاع من شتى أرجاء المنطقة والعالم، إلى غير ذلك من الأهداف الاستراتيجية الأخرى.
ومن هنا بإمكاني القول إن تدشين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يمثل نقلة نوعية لمسيرة التعليم العالي في الدولة، ويترجم استشراف القيادة لمستقبل بناء الإنسان بما يواكب العصر، ويلبي متطلبات أجندة مئوية الإمارات 2071. وفي الإطار ذاته؛ استضافت الإمارات تحدي (FIRST Global Challenge) العالمي للروبوتات، وهي البطولة التي أقيمت في «فستيفال آرينا دبي» بمشاركة أكثر من 1500 شاب وشابة، يمثلون 191 دولة، من بينهم سبعة طلبة إماراتيين. والهدف من تلك البطولة – لمن لا يعلم – هو توظيف التقنيات الحديثة والروبوت من أجل إيجاد حلول للتحديات المستقبلية، ودعم المواهب الشابة والأفكار الاستثنائية، وخصوصاً تلك التي تعمل من أجل حماية البيئة وتسعى إلى إيجاد حلول لمشكلة تلوّث الأنهار والبحار والمحيطات، فالتلوث المائي يؤدي إلى أمراض بعضها ينهي حياة المصاب، إلى جانب تدمير النظام البيئي وتسميم الكائنات البحرية.
وبالتالي فإن استضافة الإمارات للبطولة يعني أنها تساند الجهود الدولية لتوظيف التكنولوجيا المستقبلية بما يخدم مختلف جوانب الحياة، ويؤكد سعيها لارتياد آفاق الذكاء الاصطناعي وحجز مكانة رائدة على مستوى العالم في هذا القطاع، الذي بات مفتاح قوةٍ من شأنه أن يوفر حلولاً ابتكارية ويسهم في خلق فرص تسويقية ذات قيمة اقتصادية عالية في جميع القطاعات، وهو ما تؤكده الدراسات من خلال الأرقام. فمع حلول عام 2030 سيسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 16 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، ونصيب الشرق الأوسط منها حوالي 320 مليار دولار (حوالي 11% من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي)، ومن المتوقع أن تسهم تطبيقات هذه التكنولوجيا عام 2030 بما نسبته 14% من الناتج الإجمالي الإماراتي، أي ما يعادل 96 مليار دولار.
ولأن الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يتطلّب بناء أجيال تمتلك مهارات عالية في هذا المجال؛ فقد بدأت بعض حكومات الدول ذات الثقل في هذا القطاع الواعد التركيز على هذه الخطوة، وهو ما وضعته الإمارات على قائمة أولوياتها، بدءاً من وضع منهاج الإمارات للذكاء الاصطناعي ليكون خلال عامين تقريباً جزءاً من المنهاج الدراسي لطلبة مدارس الإمارات من الصف الثالث إلى الصف الثاني عشر، وصولاً إلى إنشاء المؤسسات التعليمية المتقدمة الخاصة بتلك التكنولوجيا، ذلك أن الإمارات تحرص على الاستثمار في أبنائها، وتمضي في هذا الطريق منذ عدة عقود.