هل استخلف الله الإنسان على الأرض؟ أم استخلف الإنسان المسلم دون سواه؟ وهل هو استخلاف محدود بالزمان والموقع الجغرافي؟ أم هو استخلاف عام إلى ما شاء الله تتبادل فيه الأمم الاستخلاف والسيطرة؟ أم هو حصري للمسلمين وخليفة من قريش بصورة خاصة ويحق لهم بموجب ذلك غزو واحتلال الأمم والحضارات الأخرى، وإخضاعها لسلطانهم بصورة قسرية، ويسمحون لأنفسهم أخذ أراضيها وأموالها وجعل مواردها ملك لها، وأن تأسر وتستعبد رجالها وتستبيح التمتّع بنسائها، وتوزيعّهم كغنائم أن رفضت تلك الأمة احتلالها، وتصدت للغزو بعد أن خيّرت بين السيف والإسلام أو دفع الجزية؟ أم أن هذه العملية برمتها إكراه في الدين؟ وهل أخذ ملكية الغير بالقوة حق شرعي للمسلم لكونه مسلماً فقط؟ ودم وعرض ومال الغير مستباح، ومقاومته للمعتدي من غير أن يعتدي عليه، والدفاع عن أرضه وماله وعرضه عمل لا يرضي الله ويغضبه؟
أهذا هي الأسس الدينية التي نريد بقية العالم أن يتّبعها؟ وهو قمة العدل الإلهي الذي فهمناه من القرآن الكريم! والطريقة الأفضل لنشر الدين، ونحن ننفذّ فقط مشيئة الله فيهم، وهم يستحقون ما يحصل لهم، وما نقوم به ليس نهباً وسلباً للحقوق، وما عمل له الآخر المختلف بجد وإخلاص طوال حياته؟ فهل تلك الممارسات يقبلها عقلك أو ضميرك أن كنت أنت المعتدى عليه، وتعتقد بأن فيها حفظاً لكرامة الإنسان؟ أم أن الدين هو إتمام مكارم الأخلاق مع المسلم وغير المسلم والأمر بالمعروف والموعظة الحسنة وعدم غلظ القلب في دعوة الناس للإسلام؟ فأن الافتراء على الله ورسوله، وإنْ كان عن حسن نية، وبغض النظر عن أن الهداية بيد الله وحده، هي مأساة الأمة الإسلامية الحقيقية ليومنا هذا!
فقد أوضح الله عزّ وجل في القرآن الكريم، وفي آيات عديدة تحدثت عن الخلافة دون لبس وشك بأن الاستخلاف بيده وحده، وأما الخلافة التي كانت لسيدنا أبي بكر الصدّيق كانت خلافةً لرسول الله كتسلسل طبيعي لاستمرار الأمة واستقرارها، وأما سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أطلق عليه «خليفة خليفة رسول الله» ولم يرق له الاسم إجلالاً واحتراماً لرسول الله وخليفته على المسلمين فسمي بأمير المؤمنين، وجاء بعده سيدنا عثمان، وسيدنا علي ولقّب كلاً منهما بأمير المؤمنين، وأما بقية قصة الخلافة وشروطها والتحدث عنها بتفاصيلها، فهو اجتهاد خالص من فهم البشر لآيات الاستخلاف في القرآن، وسرد تاريخي لا يدعم القرآن مزاعمه دون ريب وتوجيه قطعي بأمر رباني لأمة محمد إلى يوم القيامة، وإن جاء خليفة للمسلمين في نهاية الزمان سيكون استخلافاً من رب العالمين وأمرًا خارجًا عن المألوف.
فقد دأبت الآلة الفئوية عبر العصور تسوّق للخلافة بأنها الحل والخلاص من هوان الأمة، وأن المدينة الفاضلة لا تقوم إلّا بخليفة للمسلمين. ولكم ماذا لو كان حاكماً عادلاً ولا تنطبق عليه شروط الخلافة؟ وفي الحقيقة تعد الخلافة، التي جاءت بعد الخلافة الراشدة، نظاماً ملكياً إقطاعياً يقسّم البشر لطبقات باسم الإسلام، وتكون الفضيلة مرتبطة بجينات الخليفة، وهو حكم ملكي حصري تحكمه عوائل وقبائل بعينها إلى ما يشاء الله، وتكون بينهم الخلافة عملية من الاستخلاف البشريّ المتتابع وصولاً للخلافة العثمانية، وهو استعمار بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأراضي المسلمين، وخاصةً للأراضي العربية وصولاً لخلافة «القاعدة» و«داعش» وغيرهم من الواهمين، والسكوت عن كل الممارسات المعيبة في تاريخ الخلافة بداية ً من الخلافة الأموية، وكيف تحوّل الملك العضود لنظام فصل اجتماعي ومحاصصة عرقية وقبلية، ولم يكن الوضع وردياً مثلما يتم تصويره في الكتب التاريخية بنسخها التي وصلت لأيدينا اليوم، والأفلام والمسلسلات، وكأن لقب الخليفة يجعل صاحبه حكيماً وتقياً وعادلاً والأصلح والأكفأ سياسياً لقيادة الأمة تلقائياً.
فالسلطات الإسلامية التي جاءت بعد الخلفاء الراشدين تحت مسمى الخلافة لا تناسب بالضرورة الطبيعة البشرية وتطوّر المجتمعات إذا ما تحدثنا عنها كنظام إدارة دولة، لكون الخلافة لا تعترف بمفهوم الدولة بل الأمة، وبالتالي كل الدول الإسلامية الحالية في وجهة نظر معظم المطالبين بالخلافة مخالفةٌ لما يُنص عليه الدين، ويحلمون بالفتوحات ووجوب غزو حتى الدول التي تكون فيها أغلبية مسلمة وترفض الانضمام لمنظومة الخلافة، وإخضاعها بالقوة لسلطة الخلافة، وهل هذا النظام صالح لكل زمان ومكان بغض النظر عما يحدث من تغيّر في الفكر البشري وأنماط سلوك المجتمعات؟ فالخلافة كمنظور مثالي لا يمكن تطبيقها في كل زمان ومكان، ولم تبيّن أحاديث الخلافة كيفية تحقيق الخليفة للتفوّق في شتى المجالات للأمة، وكيف سيتم التعاطي مع السياسة كقوانين ونظم في الداخل والخارج، ولذلك يعد الخليفة هو أقرب للقاضي والإمام وقائد الجيش في المعارك من كونه رجلاً محترّفاً ومتخصصاً ومتمرساً في إدارة شؤون الحكم، من باب ما يدعو الإسلام له من التفرغ والتخصص لإتقان مهنة الإنسان وعمله ليعمر الأرض بالصورة الصحيحة.