رغم محاولات كافة التيارات الإسلامية في الجزائر الوثوب إلى مراكز السلطة ومنابع الثروة، إلا أنه تحت قيادة ضباط الجيش ووجودهم في العديد من مفاصل الدولة وأجهزتها، ليس من المحتمل السماح بحدوث تغيرات جذرية فورية أو مفاجئة في البلاد تخرج عن سيطرة الجيش كلية، وكل ما يمكن السماح بحدوثه هو ليس بأكثر من التحول المقبول للسلطة من يد مجموعة من أفراد الطبقة الوسطى إلى مجموعة أخرى من الطبقة نفسها، وذلك إذا استعنا بمفهوم الطبقة واستخدمناه مجازاً لتطبيقه على المجتمع الجزائري الحالي، وهذا هو الأمر نفسه الذي يحدث حالياً في تونس وليبيا والسودان ومصر واليمن.
والواقع أن أية حكومة ثورية، سواء كان ذلك في الجزائر، أو في غيرها من دول العالم النامي، تواجه مشكلة إيجاد نخبة سياسية جديدة ونظام سياسي جديد قادر على قيادة البلاد والاحتفاظ بالسلطة في يد أولئك الذين يقودون الصراع، تصطدم عادة بمعارضة شديدة تعقد من إمكانية الاحتفاظ بالسلطة دون عوائق أو منغصات، فمعارضي النظام الحاكم يمكن لهم عقد وحدة سياسية فيما بينهم لإسقاط النظام الثوري، لكنهم سرعان ما يفشلون ويتشتتون إذا ما تحول الهجوم من على القادة الجدد كأشخاص نحو الهجوم على كيان الدولة ومؤسساتها ونمط الأيديولوجيا السائدة فيها.
وهذا ما درج أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان والمتحدث الرسمي باسم قيادة الجيش على التحذير منه بشدة لكيلا تقع الجزائر في المحظور كما يقول وتنزلق نحو الفوضى.
الجزائر اليوم تعيش مرحلة حرجة من تاريخها ومسارها التنموي، فهي لا تزال مرتبطة بشكل شبه عضوي بمخرجات الثورة الظافرة ضد الاستعمار الفرنسي، وإذا لم يهدأ الشارع فيها وتنجح الانتخابات الرئاسية القادمة، وتعود الأمور إلى طبيعتها الأولى، فإنها قد تصبح على مفترق طرق ما بين الفوضى العارمة، أو تسلم الجيش للسلطة الكاملة لإعادة الهدوء إلى البلاد.
والغريب أن الجزائر قبل مرحلة حكم الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة كانت الأوضاع فيها تسير بشكل هادئ، لكنه ثابت ومتصل نحو التنمية الناجحة على الصعد كافة، فقد تم في زمن سابق في مرحلة ما بعد الاستقلال صياغة وإقرار ميثاق وطني كوثيقة أيديولوجية براجماتية لحزب «جبهة التحرير الوطني». تلك الوثيقة كانت تنادي ببناء مجتمع مدني عصري تحفظ فيه كرامة الإنسان، ونبذ للاحتكار والجشع الاقتصادي وتركيز على دور خاص يلعبه الدين الإسلامي الحنيف كجزء من الوعي السياسي - التاريخي لأغلبية الشعب الجزائري، لكن يبدو بأن الأمور قد أخذت مسارات أخرى مختلفة عندما تغلغل الفساد والفاسدون إلى مفاصل السلطة ومصادر الثروة.
المهم في الأمر أن الجيش لو تسلم السلطة مباشرة، وأصبح هو الذي يرسم السياسة وينفذها بشكل مباشر، فإنه سيقوم حتماً بتوجيه معظم مؤسسات الدولة للعمل وفقاً لما ترتئيه قياداته بأنه يصب في مصلحة البلاد. وفي إطار ذلك قد يقوم بوضع ممثليه مباشرة كإجراء أمر واقع على رأس مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى تحديد وظائف الدولة ورسم سياساتها كإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتعيين أعضاء السلطة التنفيذية، وهي إجراءات من شأنها أن تبعد الجزائر عن مسارات التنمية الشاملة المستدامة التي يطمح إليها كل مواطن جزائري.
*كاتب إماراتي