في كتاب بعنوان «الذكاء الاصطناعي.. دليل للتفكير في البشر»، تروي «ميلاني ميتشل»، أستاذة علوم الكمبيوتر بجامعة بورتلاند، قصة أحد طلاب الدراسات العليا الذي قام على ما يبدو بتدريب شبكة كمبيوتر لتصنيف الصور وفقاً لما إذا كانت تحتوي أو لا تحتوي على حيوان. لكن عندما نظر الطالب عن كثب، أدرك أن الشبكة لا تتعرف على الحيوانات، لكنها تضع بدلاً من ذلك صوراً ذات خلفية ضبابية في فئة «تحتوي على حيوان». لماذا؟ لأن صور الطبيعة التي تدربت عليها الشبكة عادة ما تُظهر حيواناً في المقدمة وخلفية ضبابية. واكتشفت الآلة وجود علاقة بين صور الحيوانات والخلفيات الضبابية.
وتشير ميتشل إلى أن هذه الأنواع من الأحكام الخاطئة ليست غير معتادة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوضح قائلة: «تتعلم الآلة ما قد تلاحظه في البيانات أكثر مما قد يلاحظه الإنسان. وإذا كانت هناك ارتباطات إحصائية في بيانات التدريب، حتى وإن كانت غير ذات صلة بالمهمة المطروحة، فستتعلمها الآلة بدلاً مما تريده منها أن تتعلمه».
إن سرد ميتشل الواضح المستنير لحالة الذكاء الاصطناعي – والتي تغطي تاريخه وحالته الحالية وآفاق مستقبله – تعود دائماً إلى فكرة أن أجهزة الكمبيوتر ليست ببساطة مثلي ومثلك. وهي تفتتح الكتاب بسردٍ للاجتماع الذي عقد في عام 2014 حول الذكاء الاصطناعي والذي حضرته في مقر شركة «جوجل» في ماونتن فيو بكاليفورنيا. كانت ميتشل برفقة معلمها «دوجلاس هوفستادتر»، الرائد في هذا المجال، والذي تحدث بحماس في ذلك اليوم عن خوفه العميق من أن الطموحات الكبيرة لجوجل، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة، إلى التعرف على الكلام، إلى الفن الذي يولده الكمبيوتر.. تحوّل البشر إلى «آثار من الماضي». أما وجهة نظر المؤلفة، المدروسة بشكل أكبر، فهي أن الذكاء الاصطناعي لم يستعد بعد لأن يكون ناجحاً على وجه التحديد، لأن الآلات تفتقر إلى بعض الصفات الإنسانية. واعتقادها هو أنه من دون قدرٍ كبير من الحس السليم للإنسان، والكثير من اللاوعي والبديهية، ستفشل الآلاف من «الآلات الذكية» في تحقيق مستويات الأداء البشري.
والعديد من التحديات التي تواجه إنشاء آلات ذكية بشكل كامل تعود إلى المفارقة التي تحظى بشعبية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وهي أن «الأمور السهلة صعبة». لقد تغلبت أجهزة الكمبيوتر على الإنسان في لعبة الشطرنج وفي إدراك وملاحظة الخطر، لكنها ما زالت تواجه مشكلة أبسط من ذلك بكثير، وهي على سبيل المثال تحديد ما إذا كانت صورة ما تحتوي أو لا تحتوي على حيوان. وما تزال الآلات «الذكية» غير قادرة على تعميم وفهم السبب والنتيجة، أو نقل المعرفة من وضع إلى وضع آخر – وهي المهارات التي نبدأ، نحن البشر العقلاء، في تطويرها في سن الطفولة.
هذه الموضوعات الكبيرة رائعة، وميتشل تنقلها بشكل واضح ومستنير. وهي تصف برامج الذكاء الاصطناعي المحددة بلغة تقنية يمكن أن تكون صعبة بالنسبة للشخص العادي (تكون العديد من الخرائط والرسوم التوضيحية مفيدة). ومع ذلك، فهي تخفف من صعوبة الكتاب بلهجة لطيفة، وحتى من خلال إلقاء نكتة من مسلسل الخيال العلمي الأميركي «ستار تريك». وهي أيضاً تكتب بصراحة رائعة. وعند طرح السؤال: «هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى نسبة هائلة من البطالة بين البشر؟»، تجيب: «لا أدري»، ثم تضيف قائلة بأنها تخمن بأن ذلك لن يحدث. وهي تتنبأ بأن الذكاء الاصطناعي لن يتقن التعرف على الكلام حتى تتمكن الآلات من فهم ما يقوله المتحدثون بالفعل، لكنها بعد ذلك تقر بأنها «كانت مخطئة من قبل». وفي حين أنها داعمة للذكاء الاصطناعي، تعرب ميتشل عن مخاوفها بشأن التطبيقات المستقبلية للتكنولوجيا الذكية. فقد رافقت التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي نمو الإنترنت وما ارتبط به من انفجار في البيانات. وقد أصبح التعلم العميق يهيمن حالياً على هذا المجال، الذي يشمل شبكات تدرِّب نفسَها من خلال استهلاك كميات هائلة من البيانات. وتحذر المؤلفة من أن «هناك الكثير مما يدعو للقلق بشأن إمكانية الاستخدامات الخطيرة وغير الأخلاقية للخوارزميات والبيانات». كما تشير إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن خداعها بسهولة، مما يجعلها عرضة لمحاولات الاختراق والقرصنة، الأمر الذي قد تكون له عواقب وخيمة ومميتة فيما يتعلق بتقنيات ذكية مثل السيارات ذاتية القيادة.
وأخيراً، تعرب ميتشل عن قلقها بشأن التحيزات الاجتماعية التي يمكن استنساخها في برامج الذكاء الاصطناعي، إذ على سبيل المثال، من المرجح بشكل كبير أن ترتكب تقنية التعرف على الوجه أخطاء عند التعرف على أشخاص ملونين.
لقد قامت المؤلفة بعمل ممتاز في إثبات أن الآلات ليست قريبة من إظهار ذكاء يشبه الذكاء البشري، وسيطمئن العديد من القراء لمعرفة أننا لن نضطر إلى الانحناء أمام سادتنا من أجهزة الكمبيوتر والروبوتات.
باربارا سبينديل

كاتبة متخصصة في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»