لا تزال مظاهرات الجزائريين تخرج إلى الشارع كل يوم جمعة في الجزائر العاصمة وعدد من الولايات الكبرى. إن آخر الشعارات التي تطلقها الجماهير تطالب بتنفيذ مطالب «الحراك الشعبي» المتمثلة في تنحي رموز النظام القديم، أو كما يسمى بنظام عبدالعزيز بوتفليقة، وخروجهم جميعاً وكلية من المشهد السياسي، وتأجيل الانتخابات الرئاسية المرفعة التي لم تجر بعد، وحدد لها موعداً هو الثاني عشر من ديسمبر 2019.
لكن مثل هذه المطالب تبدو صعبة التحقيق في ظل ظروف الجزائر القائمة، فكيف يمكن إخراج رموز وأفراد النظام السابق من المشهد وهم كثيرون نتيجة لانتمائهم لحزب «جبهة التحرير الوطني»؟ وكيف يمكن تأجيل عقد الانتخابات الرئاسية والجيش الجزائري هو الذي دعا إليها ويقوم بتنظيمها وتأمينها والإشراف عليها، وهي تكتسي أهمية قصوى لدى الجيش الذي قام بالتحضير الجاد لها مادياً ومعنوياً.
من خلال ما يحدث في الشارع من حراك وبروز للجيش كموازٍ للمعادلة السياسية الجديدة التي يريد الشارع إحداثها، يبرز دور نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان أحمد قايد صالح، فمن هي هذه الشخصية التي برزت فجأة في الحياة السياسية؟
أحمد قايد صالح ليس بالشخصية الجديدة في الحياة السياسية، فهو واحد من الذين لعبوا أدواراً مؤثرة في الحياة السياسية منذ أمد طويل، وربما منذ أيام الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، وإن كان ذلك بهدوء ومن الكواليس السياسية الخلفية للإحداث، فقد كان سكرتيراً عاماً لحزب «جبهة التحرير الوطني» في بداية أيام الاستقلال، وعضو في الفريق الذي يجلس في اجتماعات مجلس الثورة، وهو الآن المتحدث باسم الجيش، وأكثر الرجال وضوحاً حول احتمال انفلات الأمور إلى ما هو أسوأ.
وهذه الأدوار تعطي الانطباع بأن دور الجيش مؤثر في الحياة السياسية وذو شقين: هما حماية الأمن الوطني بمعنى حماية مكتسبات الثورة، والثاني ما يلعبه الجيش كمنقذ للبلاد من خطر الانزلاق نحو الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة، خاصة الإخوان المسلمين، وكمنبع للتصور الخاص بالتوصل إلى قيادات سياسية جديدة للجزائر.
في خطبه المتواصلة منذ اندلاع الأحداث الأخيرة يحذر أحمد قايد صالح بوضوح احتمال وقوع الجزائر في الفوضى وانقضاض التيارات الإسلامية المتطرفة على السلطة، فعلى ضوء ما وقع في مصر وتونس في عام 2011، وما هو حادث من شغب وفوضى عارمة في عدد من الدول العربية وتسمى في الأدبيات السياسية ووسائل الإعلام الغربية بـ «الربيع العربي» تعيش الجزائر اليوم مرحلة حرجة تختلط فيها الحقائق وتشهد الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحولات تحدث في نفس الوقت وبشكل متوازٍ.
لذلك فإن الضغط الآتي من البحث عن قيادات سياسية جديدة أصبح أكثر شدة وتعقيداً وصعوبة من أي وقت مضى، أو حتى في أي مكان آخر من العالم العربي، وذلك بسبب خطر احتمال حدوث اضطرابات فجائية عنيفة نتيجة لما يحدث في الشارع من مظاهرات متصلة.
وعندما ينبه الجيش الجزائري على لسان أحمد قايد صالح إلى مثل هذه المخاطر، فإن ذلك لا يحدث من فراغ، إنما نتيجة لكون نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان من رجال الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، وهو في هذه المرحلة من القادة القدماء الأكثر دراية وخبرة وفاعلية وربما نشاطاً من أوساط ضباط الجيش، ومن الذين شهدوا بأم أعينهم ما سببته التيارات المتطرفة والإسلام السياسي من فوضى في البلاد في بداية تسعينيات القرن الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحمد قايد صالح عايش وشهد وربما أسهم في ما انتهجته الجزائر من نهج أيديولوجي وتجربة تنموية مغاير لما تنادي به التيارات الإسلامية.
*كاتب إماراتي