بيرني ساندرز معجب منذ فترة طويلة بيوجين فيكتور ديبس، منظم حركة العمال والناشط السياسي الرائد في الاشتراكية الأميركية في العقود الأولى من القرن العشرين. وكان «ديبس»، قبل ساندرز، أكثر المرشحين الاشتراكيين نجاحاً في التاريخ الأميركي، وفاز بمئات الآلاف من الأصوات في الحملات الأربع الأخيرة من حملاته الخمس للسباق على منصب الرئيس. وفي عام 1912 حصد 6% من أصوات الناخبين على مستوى البلاد.
واشتهر «ديبس» بهجومه الناري على الرأسمالية الصناعية. فقد قطع البلاد طولاً وعرضاً في حملة لا تكل، مستنكراً الظروف غير الإنسانية للعمل في المصانع، ومعنفاً الطبقة الرأسمالية لهوسها بتحقيق الأرباح. وفي كلمة ألقاها في ذكرى الاحتفال بيوم الاستقلال في شيكاغو عام 1901، قال ديبس: «في نظام الأجور، سيحكم عليك وعلى أطفالك وأطفال أطفالك، إذا ظلت الرأسمالية قائمة حتى ميلادهم، بالعبودية ولن يكون هناك أمل ممكن ما لم تطح بالرأسماليين وتصوت للاشتراكية».
ولم يكتف «ديبس» بإدانة أعداء طبقته، بل دعا الجمهور إلى تخيل عالم أفضل لتحقيق الوعد بالديمقراطية والمساواة للثورة الأميركية من خلال العمل الجمعي. ففي كلمة له عام 1900، قال ديبس: «لدينا كل المواد الخام وأروع الآلات وملايين السكان الساعين بشغف للتوظيف. لا شيء أسهل من تحقيق الثروة، ويجب ألا يعاني أحد من الحاجة إليها».
ويرى المؤرخ «نيك سلفاتور» الذي كتب سيرة «ديبس» الذاتية في كتاب بعنوان «يوجين ديبس: المواطن والاشتراكي»، أن جاذبية «ديبس» وصفها المعاصرون دوماً بأنها كانت «تتجاوز لحظة من الشقاق الفصائلي، وجعلت كل واحد من أفراد الجمهور يرى نظاماً اجتماعياً مختلفاً».
وأنا أتحدث عن كل هذا لأني رأيت شيئاً منه أثناء اجتماع «ساندرز» الحاشد في كوينز بنيويورك، حيث اجتمع 25 ألف شخص ليسمعوا «ساندرز» وكثيرين من كبار أنصاره مثل النائبة «الديمقراطية» ألكسندريا أوكاسيو كورتيز. لقد كان استعراضاً لقوة «ساندرز»، الذي خضع لعلاج في الآونة في المستشفى بعد أزمة قلبية.
وكان أبرز ما في الحدث هو التأييد المخلص من «أوكاسيو كورتيز»، التي تنسب الفضل في ظهور وعيها السياسي إلى «ساندرز» حين كانت تعمل في حانة. وفيما يذكرنا كثيراً بالمشاعر التي أثارها «ديبس» لدى الناس في عصره، ذكرت «أوكاسيو كورتيز» أنها لم تهتم بالسياسة، حتى سمعت عن رجل اسمه «بيرني ساندرز»، وقالت: «بدأت أسأل وأتأكد وأدرك قيمتي الأصيلة كإنسان يستحق الرعاية الصحية والإسكان والتعليم وأجراً يكفي للعيش». وألقى «ساندرز» كلمة مألوفة في معظمها. فقد تحدث عن الإسكان والذين بلا مأوى، ودعا إلى رعاية صحية شاملة وتعليم جامعي بالمجان، وانتقد عمليات الحبس بأعداد كبيرة ونظام العدل الجنائي غير العادل، وأدان «نسبة الواحد في المئة» لجشعها وأنانيتها. لكن الجزء المميز في كلمته، أو «لحظته الدبسية» إذا جاز لنا التعبير، جاءت في النهاية حين اختتم الاجتماع بالدعوة إلى التضامن.
لقد كتب «سالفاتور» في خاتمة كتابه عن «ديبس» يصور الطريقة التي كان ينظر بها كثيرون من الأميركيين إلى الناشط اليساري، قائلاً إنه كان «يجسد احتجاج جيله ضد الرأسمالية الصناعية. وسماته الشخصية كان لها أهمية سياسية وحماسه مس القلوب وأثر على حياة أشخاص حقيقيين». لقد فعل ساندرز شيئاً مشابهاً، فحملاته أمدت جيلاً جديداً بلغة وإطار عمل لفهم التهديدات السياسية والاقتصادية والبيئية للديمقراطية الأميركية، وأيضاً قدم رؤية بديلة للبلاد.
وفي كلمة تأييدها لساندرز، قالت «أوكاسيو كورتيز»: «يتعين علينا بناء حركة جماعية تركز على الطبقة العاملة والفقراء والطبقة الوسطى. حركة يمكنها أن تناهض بفعالية العنصرية وتمد جذورها لمبادئ تشمل الجميع. الجميع له حق في الرعاية الصحية، والجميع له الحق في التعليم». وإذا نجح ساندرز فعلياً في الوصول إلى البيت الأبيض، فإنه سيواصل عمله هذا من قمة السياسة الأميركية. وإذا لم يصل إلى البيت الأبيض، فلديه، على خلاف «ديبس»، خليفة طبيعي تمثله أوكاسيو كورتيز التي حظيت بتصفيق حاد في الاجتماع، مما يعطينا تصوراً لما قد يبدو عليه المستقبل.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/10/22/opinion/aoc-bernie-sanders.html