بدأت قيادة «الحزب الديمقراطي» الأميركي في إجراء تحقيق بشأن ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب، قد تصرف بطريقة تستحق أن يوجه إليه بسببها مجلس النواب اتهاماً بعدم الأهلية للبقاء في منصبه الرئاسي. وإذا مضت العملية قدماً، كما يريد لها «الديمقراطيون»، فمن شبه المؤكد أنه سيكون هناك ما يكفي من الأصوات الديمقراطية لتأييد توجيه الاتهام ضد الرئيس ترامب. وحينها سيجري إرسال بنود الاتهام إلى مجلس الشيوخ (الغرفة الأخرى من الكونجرس)، حيث يعقد هناك جون روبرتس، كبير قضاة المحكمة العليا، جلسة قضائية للنظر في الاتهامات النيابية الموجهة بحق الرئيس. وحتى وقت قريب، كان المفترض أن غالبية من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لن يصوتوا للتخلص من ترامب وإرغامه على مغادرة منصبه. ومن ثم، سيكون بوسع الرئيس إعلان النصر، مما يعطيه دفعة تعزز موقف حملته الرامية لإعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية.
لكن جاءت بعض الأحداث لتغير هذه الحسابات وليكون لها تأثير خطير على ترامب ووضعه السياسي والقانوني. وأول حدث يتعلق باتهام ترامب ومحاميه الخاص رودي جولياني بأنهما حاولا استخدام الضغط على الرئيس الجديد لأوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، كي يحقق في أنشطة خاصة بنائب الرئيس السابق جو بايدن ونجله هانتر بايدن في أوكرانيا أثناء إدارة أوباما. والحجة تدور حول أن ترامب أوضح لزيلينسكي أنه إذا لم يجر التحقيقات، فسيجري تأجيل تسليمه عتاداً عسكرياً أميركياً حيوياً لأوكرانيا في الحرب التي تخوضها ضد جيوب وجماعات موالية لروسيا، وهو عتاد كان الكونجرس قد وافق على منحه لأوكرانيا. وبعبارة أخرى، فقد انطوى الأمر على مقايضة تُجري فيها أوكرانيا تحقيقات قضائية لكي تستلم العتاد المذكور.
وقد تعززت كثيراً الأدلة على وجود مثل هذه المقايضة بعد أن شهد عدد من المسؤولين، يعملون في الإدارة أو أنهوا خدمتهم فيها منذ فترة قصيرة، بعد حلف اليمين أمام الكونجرس، أن مثل هذه الصفقة جرى طرحها وأن ترامب وجولياني تخطيا في مسعاهم -متعمدين ذلك- الدبلوماسيين المحترفين المعنيين مباشرة بملف أوكرانيا، لكي يضروا سياسياً بجو بايدن، وهو أكثر «ديمقراطي» يخشاه ترامب كمنافس له في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
والحدث الثاني الذي أثار الاضطراب في صفوف الجمهوريين، وجعلهم أكثر ترجيحاً أقرب للاستعداد للانقلاب على ترامب، يتعلق بـ«خيانة» الأكراد السوريين نتيجة الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية من شمال شرق سوريا، والسماح لتركيا بغزوها؛ بغية إقامة منطقة آمنة تؤدي إلى إخراج الأكراد من قرى وبلدات كانوا يقطنونها في الشمال السوري. واتخذ ترامب قراره ذلك دون أي مداولة مع مستشاريه للأمن القومي والكونجرس والحلفاء الآخرين والأكراد أنفسهم. صحيح أن تصرفات ترامب في سوريا لا يمكن وصفها بأنها تستحق توجيه اتهام بعدم الأهلية لتقلد المنصب الرئاسي، إلا أنها قوضت كثيراً مصداقية الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط وحول العالم بدرجة أثارت غضب الجمهوريين إزاء سلوكه، وأصبحوا يتحدثون عنه بطريقة انتقادية أكثر من أي وقت مضى، منذ انتخابات عام 2016.
والحدث الثالث هو اقتراح ترامب، في العاشر من شهر أكتوبر الجاري، عقد قمة مجموعة السبع للعام المقبل في منتجع دورال للجولف في ميامي الذي يمتلكه، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وقد دفعت الانتقادات الشديدة ترامب إلى التراجع عن قراره في غضون 48 ساعة. وكان أصدقاؤه الجمهوريون قد حذّروه من كارثية الفكرة التي من الممكن أن تسمح للديمقراطيين بأن يستغلوها كمسوغ آخر لتوجيه الاتهام بحقه، تمهيداً لعزله من سدة الرئاسة. فاستخدام العقارات المملوكة له في مثل هذا الحدث، يمثّل انتهاكاً للفقرة الخاصة بالمخصصات المالية للرئيس في الدستور الأميركي، والتي تحظر على شاغلي المنصب الرفيع أن يستفيدوا من الهدايا المقدمة من الحكومات الأجنبية. وفي حالة منتجع دورال، فهذا يعني أن الوفود الستة الزائرة سيتعين عليها دفع مبالغ كبيرة من المال لنشاط ترامب الاقتصادي. ورد ترامب المعتاد على مثل هذه الانتقادات كان يتمثل في تعزيز غضب خصومه وتجاهلهم. لكن هذه المرة أدرك أنه لا يستطيع، في المرحلة الحالية من رئاسته، تحمل مغبة إقصاء الجمهوريين البارزين الذين قد يصوتون على مستقبله السياسي في مجلس الشيوخ، ربما بحلول نهاية هذا العام.

*مدير البرامج الاستراتيجية بـ«مركز ناشيونال انترست»- واشنطن