سحب القوات الأميركية من سوريا خطأ استراتيجي فادح، إنه يترك الشعب الأميركي وأميركا أقل أمناً ويعزز جرأة أعدائنا ويضعف التحالفات المهمة، وللأسف، قد يؤدي الانسحاب الذي أُعلن عنه في الآونة الأخيرة إلى تكرار خطأ الانسحاب المتهور لإدارة أوباما من العراق، الذي كان له الفضل الأول في تسهيل صعود «داعش»، ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، عملت في ظل ثلاث إدارات في التصدي لإرهاب المتطرفين الإسلاميين. واستخلصت ثلاثة دروس رئيسية بشأن التصدي لهذا التهديد المعقد.
الدرس الأول: هذا الخطر حقيقي، وهؤلاء المتعصبون يهددون مصالح أميركا وأرواح مواطنيها، وإذا سُمح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم وإقامة ملاذات، فسيأتون بالإرهاب إلى ديارنا.
الدرس الثاني: لا بديل عن القيادة الأميركية، فليس هناك دولة أخرى تضاهي قدرتنا على تزعم حملات متعددة الجنسيات، يمكنها إلحاق الهزيمة بالإرهابيين، والمساعدة في تحقيق الاستقرار. وهذه الحقيقة تنطبق أيضاً فيما يتجاوز التصدي للإرهاب، وإذا كنا كأميركيين نهتم بحال من الأحوال بشأن النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي حافظ على حقبة غير مسبوقة من السلام والرخاء والتطور التكنولوجي، فيتعين علينا الاعتراف بأننا الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها لهذا النظام، لقد بنينا هذا النظام وحافظنا عليه واستفدنا منه أكثر من الآخرين. وحين ألقت الولايات المتحدة جانباً عباءة العزلة المريحة في الأربعينيات، وارتدت عباءة القيادة الدولية، جعلنا العالم كله أفضل وأفضل بكثير للولايات المتحدة بوجه خاص، وإذا تخلينا عن هذه العباءة الآن، فلا نضمن أن يظهر نظام دولي جديد بشروط في صالحنا.
الدرس الثالث: أننا لسنا في هذه المعركة وحدنا، ففي السنوات القليلة الماضية، خاضت القوات المحلية في الأساس الحملات ضد «داعش» في العراق وسوريا، وضد «طالبان» في أفغانستان، وساهمت الولايات المتحدة أساساً بإمكانيات محدودة متخصصة مكنت شركاءنا المحليين من تحقيق النجاح، ومن المثير للسخرية أن سوريا كانت نموذجاً لهذا النهج الذي يتزايد نجاحاً، ففي يناير الماضي، بعد ظهور مؤشرات على أن الرئيس يفكر في انسحاب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان، اعتقدت أن مجلس الشيوخ سيؤكد من جديد هذه المبادئ الحاسمة، وكان لدى أعضاء مجلس الشيوخ فرصة للدفاع عن مصالحنا واستراتيجيتنا في الشرق الأوسط.
وأيدت أغلبية كبيرة من الحزبين، بواقع 70 عضواً، تعديلاً كتبته للتأكيد على هذه الدروس، وعبر التعديل عن معارضتنا لخروج سابق لأوانه من سوريا أو أفغانستان، وأعاد التأكيد على الحاجة إلى قيادة أميركية مستدامة في قتال الإرهابيين، وحث على أننا ما زلنا نعمل إلى جانب حلفائنا والقوات المحلية، ولسوء الحظ، لا تعكس خطوات الإدارة في الآونة الأخيرة في سوريا هذه الدروس المحورية.
والجمع بين التراجع الأميركي، وتصاعد القتال التركي الكردي، يخلق كابوساً استراتيجياً لبلادنا، وحتى إذا صمد وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام، الذي أُعلن يوم الخميس الماضي، فإن أحداث الأسبوع الماضي قد أصابت حملة الولايات المتحدة ضد «داعش» والإرهابيين الآخرين بانتكاسة، وما لم يتم التراجع عن هذا، فإن تقهقرنا سيدعو نظام الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه إلى توسيع نفوذهم، ونحن نتجاهل جهود روسيا لتدعيم موقفها الذي يتزايد هيمنة في سوريا، في حشد القوة والنفوذ على امتداد الشرق الأوسط وفيما يتجاوزها، ومن المتوقع أن تسعد هذه التطورات خصومنا فيما يبدو، وسلسلة رد الفعل الجيوسياسية الناجمة عن هذا، لخصها، بشكل ممتاز فيما يبدو، مقطع مصور على الإنترنت، فقد ذكرت تقارير صحفية أن المقطع ظهر فيه صحفي روسي يبتسم وهو يجول في قاعدة عسكرية، تركها الأميركيون تواً في شمال سوريا.
ويتعين علينا التمسك بهدي مصالحنا القومية وليس عواطفنا، فهل الأمر يتعلق فعلياً بأن الولايات المتحدة تفضل حقاً أن تسيطر قوات روسية وسورية على المنطقة وليس تركيا، حليفنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ يتعين علينا أن نستخدم كل من العصا والجزرة لإعادة إلزام تركيا بالنظام، وإلى جانب تقييد الاقتحام التركي وتشجيع وقف إطلاق نار متواصل، يجب أن نخلق ظروفاً لإعادة إدخال قوات أميركية، وإبعاد تركيا عن روسيا ودفعها إلى «الناتو» ثانية.
ولمواصلة الضغط على إرهابيي «داعش»، وكسب أوراق ضغط أخرى لشركائنا المحليين ليتفاضوا بها مع بشار الأسد، يجب أن نحتفظ بحضور عسكري محدود في سوريا والعراق، وفي أماكن أخرى بالمنطقة، ويجب العمل عن كثب أيضاً مع الحلفاء المهددين بهذه الفوضى، وتعزيز الجهود الدولية للضغط على نظام الأسد.
وأخيراً، وبصرف النظر عما يحدث في سوريا، فإن ما حدث يجب أن ينبه الولايات المتحدة ويمنعها من الانسحاب من أفغانستان قبل إنهاء المهمة، ويتعين أن نلتزم من جديد أمام شركائنا الأفغان، في الوقت الذي يقومون فيه بالقتال الشديد للدفاع عن بلادهم وحرياتهم من «القاعدة» و«طالبان»، ومع بروز الانعزالية الجديدة في اليمين واليسار، قد نسمع المزيد من الحديث عن «حروب بلا نهاية»، لكن الخطاب لا يغير واقع أن الحروب لا تنتهي فحسب، بل يجري كسبها أو خسارتها، والولايات المتحدة ضحت كثيراً في حملات على مدار سنوات لإلحاق الهزيمة بـ«القاعدة» و«داعش»، ولتحقيق الاستقرار في الصراع الذي يدعم التطرف، وقد تضعف أو تتراخى الإرادة السياسية في مواصلة هذا العمل الشاق لكن التهديدات لبلادنا لن تغيب.
لقد شهدنا كارثة إنسانية وساحة للتناحر الإرهابي بلا قانون، بعد أن تخلينا عن أفغانستان في التسعينيات، مما مهد التربة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وشهدنا انتعاش «داعش» في العراق، بعد أن تقهقر الرئيس باراك أوباما، وسنرى هذه الأمور من جديد في سوريا وأفغانستان إذا تركنا شركاءنا وتقهقرنا من هذه الصراعات قبل الفوز بها، وحروب أميركا ستكون «بلا نهاية» إذا رفضت أميركا فحسب كسبها.
ميتش ماكونيل: زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»