منذ أن أعطى البيت الأبيض ما يشبه إشارة الضوء الأخضر لغزو تركي لشمال شرق سوريا، وجد الرئيس ترامب صعوبة في توضيح بعض قراراته. فقد قرر عدم الوقوف في طريق توغل تركيا، لكنه اعتبر أن مثل هذا التدخل ضد حلفاء أميركا من الأكراد «فكرة سيئة»، مهدداً أنقرة بكارثة اقتصادية حال تجاوزها خطاً أحمر لم يحدده!
عدم الانسجام لم يتوقف عند هذا الحد؛ فقبل نحو عام من الآن، أشاد ترامب بالتضحيات الكبيرة للفصائل الكردية السورية، التي أدت لإحراز تقدم ضد «داعش»، وللسيطرة على الأراضي المستعادة من المقاتلين المتطرفين، وقال: «إنهم شعب عظيم لن ننساه».
لكن هذا الأسبوع، كرّر ترامب حجج أردوغان من أن الأتراك يتخذون تدابير ضرورية ضد «الإرهابيين» (ويقصد بهم أردوغان «قوات سوريا الديمقراطية»)، وأشار ترامب إلى أنه لا بأس بالتخلي عن الأكراد، إذ لم يقاتل مع الأميركيين على شواطئ نورماندي في الحرب العالمية الثانية.
ويوم الخميس الماضي، بدا أن الولايات المتحدة وروسيا توجدان على الجانب نفسه لعرقلة مشروع قرار دولي يندد بالتدخل التركي في سوريا. وفي الأثناء، يحاول منتقدون في واشنطن وأماكن أخرى استيعاب الحلقة الحديثة من خذلان الغرب للأكراد، محذّرين من إمكانية عودة «داعش».
غير أن ترامب، شرح مراراً أن أولويته لإنهاء حروب أميركا «التي لا نهاية لها»، ولإعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن، ولجعل قوى إقليمية أخرى تتولى أزمات الشرق الأوسط. فالأمر، بالنسبة له يتعلق بالسياسة الداخلية، وليس باستراتيجية السياسة الخارجية. وتُظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الأميركيين تتقاسم نفاد الصبر هذا، إزاء تورط البلاد في العراق وأفغانستان لعقود، وترغب في تغيير الاتجاه. وترامب يريد القول إنه يفي بذاك الوعد.
غير أن ترامب لم يُنهِ بعد أي عمليات لنشر الجنود في الخارج، وكما قال ستيفن ورتايم، أحد مؤسسي «معهد كوينسي للإدارة المسؤولة لشؤون الدولة»، فإن ترامب «كثّف معظم التدخلات العسكرية التي تشارك فيها الولايات المتحدة».

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»