تدل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لأبوظبي، أمس، على أن مذكرة الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين دولة الإمارات العربية وروسيا الاتحادية ليست خاتمة المطاف في العلاقات بينهما. ولا يزال في جعبة الدولتين الكثير لتحقيق نقلات كبيرة أخرى في هذه العلاقات، تأسيساً على مقومات موضوعية وإرادة مشتركة. وتُعد تلك المذكرة التي أُبرمت خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، موسكو في يونيو 2018، جزءاً من رؤية قيادة دولة الإمارات بشأن تنويع الشراكات مع الدول الكبرى، وغيرها من الدول التي يفيد دعم العلاقات معها في تحقيق السلم والاستقرار في المنطقة والعالم، وتعزيز المصالح المشتركة، في آن معاً.
لم تحل علاقات دولة الإمارات العربية التاريخية الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية دون ازدياد التقارب مع القوى الدولية الأخرى بشكل مطرد، وبناء علاقات استراتيجية معها. ولم تأتِ مذكرة الشراكة الاستراتيجية مع روسيا العام الماضي من فراغ. ولم تُوقع كتجربة يمكن أن تنجح أو لا تنجح. ليس في سياسة دولة الإمارات، واستراتيجيتها التي تهتدي بها في البناء الداخلي والعلاقات الدولية، مكان للتجريب. وعندما تُقدم قيادتها على خطوة كبيرة، لا تكون مدروسة جيداً فقط، بل تأتي حصيلة عمل استمر على مدى فترة زمنية يُرى أنها كافية للإقدام على نقلة نوعية من نوع توقيع مذكرات للشراكة الاستراتيجية.
ولذا، فقد سبق توقيع مذكرة الشراكة مع روسيا تواصل مستمر ومناقشات مطوّلة بين مسؤولين في مستويات عدة في الدولتين على مدى سنوات، وعمل مشترك في مجالات كثيرة، سياسية واقتصادية وتجارية واستثمارية وعلمية وعسكرية، وتعاون ناجح في حقل مواجهة التطرف والإرهاب.. الأمر الذي حقق تراكماً أتاح بلورة الإطار العام لهذه الشراكة.
وعلى سبيل المثال، جاءت التفاهمات ذات الطابع الاقتصادي، في المذكرة التي قننت الشراكة، نتيجة لعديد من الاتفاقات والبروتوكولات كان آخرها اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني والتعليمي بين الشركات في البلدين عام 2017. كما كان التبادل التجاري بين الطرفين قد قفز بنسبة 35% في الفترة من بداية 2015 إلى نهاية 2017، ووصل عدد الشركات الروسية العاملة في دولة الإمارات أكثر من ثلاثة آلاف شركة. 
ولذا، كان الهدف الأول لتوقيع مذكرة الشراكة الاستراتيجية هو تقنين التقدم الكبير الذي حدث في العلاقات بين الدولتين، وتأطيره على نحو يسمح بتحديد الخطوات التالية التي تأتي زيارة الرئيس بوتين لبحثها. فقد تضمنت تلك المذكرة الكثير من المحاور التي يجري في إطارها التفاعل بين الدولتين، على أساس من الحوار والتشاور حول مختلف القضايا التي تعنيهما، وفي مقدمتها قضايا الطاقة من أجل دعم الصناعات المتعلقة بها، سواء في مجال البتروكيماويات أو غيرها، فضلاً عن التعاون من أجل ضمان الاستقرار في أسواق النفط العالمية.
ومن أهم ما نصت عليه مذكرة الشراكة الاستراتيجية، وتزداد أهميته كل يوم، التشاور المستمر لتدعيم التعاون في مواجهة التطرف والإرهاب اللذين يمثلان تهديداً عالمياً يستهدف المجتمع الدولي كله، ويتطلب أعلى درجات العمل المشترك. ولذا، اقترن توقيع تلك المذكرة بتوجيه دعوة مشتركة إلى بناء تحالف دولي واسع ضد الإرهاب. وقد ازدادت أهمية هذه الدعوة اليوم في ضوء المخاوف من موجة إرهاب جديدة قد لا تقل خطراً عن موجة 2014 –2015، نتيجة الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا، وتداعياته الخطيرة التي قد لا تقتصر على احتمال فرار سجناء «داعش» في المنطقة التي يستهدفها الهجوم، ولا يقل عددهم عن عشرة آلاف إرهابي، أو بعضهم على الأقل.
والحال أن زيارة الرئيس بوتين إلى أبوظبي تأتي في لحظة بالغة الدقة بالنسبة لمنطقتنا والعالم، وتؤكد صواب رؤية قيادة دولة الإمارات بشأن تنويع الشراكات الاستراتيجية. وربما لا نذهب بعيداً إذا نظرنا لوجود رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري قبل أيام ضمن بعثة على متن «محطة الفضاء الدولية»، بصحبة رائدي فضاء أحدهما روسي والثاني أميركي، من زاوية دلالته الرمزية والفعلية على قيمة سياسة تنويع الشراكات الاستراتيجية وآفاقها التي لا تقف عند حد.