قبل الهجوم التركي على شمال شرق سوريا، دافع اثنان من كبار مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب علانية عن الاستراتيجية الأميركية الخاصة بسوريا، وأوضحا لماذا سيؤدي الهجوم التركي على الأكراد في شمال شرق سوريا إلى تدمير هذه المنطقة بالكامل. والآن، أصبح كل ما كانوا يعملون عليه في حالة يرثى لها، والمخاطر التي حذروا منها أصبحت حقيقة، وذلك بسبب ترامب والرئيس التركي أردوغان.
وقال «جويل رايبورن»، مبعوث وزارة الخارجية الخاص إلى سوريا، «لقد شرعنا الآن في تنفيذ اتفاق من شأنه إنشاء منطقة على طول الحدود التركية السورية». وأضاف أمام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن: «يفترض أن تكون منطقة آمنة لكل من تركيا والسوريين. حتى الآن، يسير التنفيذ بشكل جيد». وكان رايبورن يروج لـ «المنطقة العازلة» أو «آلية الأمن» التي تعمل عليها الولايات المتحدة وتركيا منذ عام تقريباً. لكن رايبورن حذّر من أن الهجوم التركي في شمال شرق سوريا لن يكون كارثة فحسب، بل أيضاً سيعيق الجهود الرامية إلى حل النزاع السوري الأكبر، كما سيضر الأهداف الأميركية الأخرى، وهي ضمان الهزيمة الدائمة لـ «داعش» وإجبار إيران على التراجع. وأوضح أن «المنطقة العازلة هي جزء من جهد أكبر لتحقيق الاستقرار على المستوى السياسي على الحدود بين تركيا وسوريا شرق نهر الفرات.. وهذا شرط ضروري لحل النزاع الشامل». وأضاف: «نحن نعتقد أن أي صراع على طول الحدود التركية السورية من شأنه خدمة مصالح الأطراف السيئة في المنطقة مثل داعش والقاعدة وإيران».
وقال «مايكل مولروي»، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، إن الولايات المتحدة لا يمكنها تنفيذ استراتيجيتها الخاصة بسوريا دون شركاء مثل «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية، التي تحملت معظم العبء في محاربة «داعش»، وإنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تغادر قبل استقرار المنطقة. وأضاف: «إذا لم نفعل ذلك، فسنعود إلى هناك بالتأكيد، ونفعل نفس الشيء. نحن مدينون للناس الذين يعيشون هناك، الذين تحملوا أعباء كبيرة، ومدينون أيضاً لمن سيأتون بعدنا في وزارتي الخارجية والدفاع، ألا نترك هذا الأمر من دون إنجاز».
ويوم السبت الماضي، كان الجيش الأميركي يروج للدوريات الأميركية التركية المشتركة في المنطقة العازلة. وفي يوم الأحد، تحدث ترامب إلى أردوغان، وبعدها أعلن الأتراك أنهم سيغزون، وأمر ترامب بسحب الجنود الأميركيين من الحدود، وقال على «تويتر»، إنه ينهي حروباً «لا نهاية لها»، ثم وجّه تحذيراً لأردوغان من المضي قدماً في عمليته العسكرية. وبحلول بعد ظهر الاثنين، أصدرت وزارة الدفاع بياناً توضيحياً.
وأخبرني مسؤول بوزارة الخارجية، الثلاثاء، أن خطة المنطقة العازلة «تم تأجيلها». وتوقف الجيش الأميركي عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات التركية، وألغى الاتصالات العسكرية، وسحب اثنين من ثلاثة مواقع في أقصى الشمال كانت في طريق التقدم التركي.
وفي مكالمته يوم الأحد، أطلع أردوغان ترامب على نسخته من المنطقة الآمنة، وهي منطقة يسيطر عليها الأتراك، حيث يمكن إعادة توطين الملايين من اللاجئين السوريين بدعم مالي أوروبي. إنه أمر بعيد المنال، لكن ترامب قبله، وكان أردوغان يراهن على عزل الحكومة الأميركية بأكملها عن العملية.
وداخل الإدارة الأميركية، هناك مخاوف بشأن كيفية تعامل ترامب مع سوريا وما قد يأتي بعد ذلك. وقد أنهت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شراكتها مع الجيش الأميركي وباتت تركز قتالها على منع تقدم القوات التركية.
لقد انهارت الاستراتيجية الأميركية الخاصة بسوريا، وهناك العديد من العواقب المحتملة، وكلها سيئة.

*كاتب متخصص في قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»