قد يكون شعار «العراق حرة حرة وإيران برّه برّه» أصدق تعبير عن الرغبة في فك العراق من الارتهان لإيران، حتى لا تلحق به لعنة الملالي وتسكنه أحزانهم الدينية التي لا تنتهي، ويستوطنه البؤس، لتواصل إيران الأكل من قوت شعبه، وإفساد مياهه التي زادت ملوحةً في البصرة بنسبة 25 في المئة، بعد أن سدت عليها إيران روافد مياه الأنهر. ولعل إيران تقدم العراق ببؤسه الحالي نموذجاً للشعب الإيراني لكي يواسيه في محنته التي لن تزول إلا بزوال نظام الملالي نفسه.
منذ عام 2003 أضحت أرض العراق ساحةً لصراع إقليمي ودولي متواصل! وقد جاءت المظاهرات الأخيرة التي شكلت «جمهورية الشارع» حاشدةً وغيرَ مسبوقة، وإذا لم تتداركها الحكومة بحزم إصلاح وتغيير، فقد تأخذ منعطفاً خطيراً.
لقد أصبح العراق كتلة حرجة لم تستقر بعد إطاحة نظام صدام حسين، حيث احتلت إيرانُ الأرض والنفوس. ولتضمن بقاءها ومد نفوذها، أنشأت ميليشيا «الحشد الشعبي»، لتكون بمثابة «الحرس الثوري» العراقي، بغية استخدامه داخل العراق وخارجه. لقد تم إنشاء هذه الميليشيات تحت غطاء محاربة «داعش» التي صنعتها إيران في الموصل، بالتعاون مع حكومة المالكي الذي أمر بسحب الجيش، لتتولى ميليشيات «الحشد الشعبي» قتل وتهجير الموصليين السنّة، بحجة محاربة «داعش»!
كل هذه المسرحية التي تم إخراجها إيرانياً كان هدفها إظهار «الحشد الشعبي» بطلاً يستطيع هزيمة «داعش»، على حساب الجيش العراقي الوطني. لذا قال ديفيد بتريوس، القائد الأسبق للقيادة المركزية بالجيش الأميركي والمدير الأسبق أيضاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، إن «الخطر الحقيقي على استقرار العراق والأمن في المنطقة على المدى الطويل، يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي». ثم توقع محذراً: «إذا ذهب عادل عبدالمهدي فسيتحول العراق إلى سيناريو (الأسد) وسيأتون بحكومة من الحشد الشعبي، أو حكومة طوارئ مثل انقلاب الحوثي».
إن معضلة وجود دولة عميقة من حواريي ميليشيات «الحشد الشعبي»، لا يحلها سوى أن يطلب عبدالمهدي تدخلاً دولياً لكبح جماح هذه الميليشيات، على طريقة مسعود برزاني الذي تحالف مع أميركا لمقاتلة «داعش». لذلك تخوّف قادة «الحشد الشعبي» من شخصية الفريق عبدالوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وتم إبعاده بحجة أنه من شيعة «السفارة». إنه رجل عسكري أعماله مشهود لها، لكنه غير متوافق مع «الحشد الشعبي»، وله شعبية بين المتظاهرين المحتجين.
لقد شكل الشباب نواة انتفاضة الشعب العراقي الحالية، فخرجوا معبِّرين عن امتعاضهم وسخطهم مما يعانونه منذ سنوات طويلة، حيث يعانون البطالة، ولا يجدون وسيلة للعيش الكريم في بلد يعد الخامس من حيث حجم احتياطيه النفطي. لقد وصلت البطالة بين الشباب العراقيين المؤهلين للعمل أعلى نسبة لها، وهو أمر يقود إلى اليأس وقد يتم التعبير عنه بصورة هستيرية لدى شباب يبحثون عن الحد الأدنى من تأمين معيشتهم. إن الفقر يمثل مبعثاً على اليأس وسبباً لشل حركة الحياة، لذلك يروى عن سيدنا علي رضي الله قوله المشهور: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».
وكلّما خرج الشعب العراقي مطالِباً حكومتَه بتأمين متطلباته الأساسية، كما كفلها له الدستور، يخرج المزايدون من «الحشد الشعبي» الموالين لإيران، ليتهموا المتظاهرين بـ«التآمر على استقرار العراق ووحدته»، أو كما قال إمام جمعة طهران: «اقتلوا عملاء أميركا المتظاهرين العراقيين». ولا غرابة في أن يصدر تعبير كهذا عن دولة راعية للإرهاب، إزاء شباب بلاد الرافدين وهم يحاولون العبور ببلدهم نحو الاستقلال والازدهار!