يومض نظامُنا العالمي للأمن الصحي بأضواء تحذيرية لا ينبغي تجاهلها. ففي السابع عشر من شهر سبتمبر المنصرم، حذّر أول تقرير سنوي صادر عن «مجلس مراقبة الاستعداد العالمي» من أن استعداد العالم أمام تفشٍ سريع للأمراض ناقص إلى درجة مؤسفة. وبعد ذلك بأيام، أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً غير مسبوق انتقدت فيه تنزانيا لحجبها أدلة على وجود وباء محتمل هناك. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة يتفشى ثاني أكبر وباء للإيبولا في التاريخ، مع استمراره لأكثر من عام ودون نهاية قريبة في الأفق المنظور.
وقبل خمس سنوات من الآن، كان وباء الإيبولا يتفشى بقوة في غرب أفريقيا والرعب يمسك بتلابيب الولايات المتحدة. وحينها عينني الرئيس باراك أوباما كأول مسؤول أميركي كبير عن مكافحة الإيبولا. وفي غضون خمسة أشهر، قضينا إلى حد كبير على الوباء، وحصلنا على موافقة من الحزبين في الكونجرس لاستخدام استثمارات هائلة في مكافحة الأوبئة في الداخل والخارج، ودشنا تجارب سريرية لأول لقاح ضد الإيبولا. فلماذا استطعنا تحقيق تقدم في ذلك الوقت بينما تحقيق التقدم ليس ممكناً الآن؟ الإجابة تكمن في المزيج المأساوي للتهديدات الجديدة التي تظهر مع انحسار القيادة الأميركية. والتهديدات الجديدة واضحة في الكونجو. فحتى مع وجود لقاح فاعل بنسبة 97% ضد الإيبولا، وهو ما لم يكن موجوداً عام 2014، لا يمكن احتواء الوباء الحالي. فمازال من المحتمل حدوث انتشار خطير للوباء نحو الدول المجاورة، أو إلى المناطق الأكثر سكاناً من الكونجو.
وهذا لأنه في عام 2014، ظهر وباء إيبولا في دول مستقرة نسبياً، وكان هناك استعداد لتقبل المساعدة الخارجية. أما الآن، فالكونجو يعاني من عدم الاستقرار والعنف والعزلة. والأشخاص الذين يقومون بالتصدي للوباء يتعرضون لهجمات، ما يجعل من الصعب رصد الأشخاص الذين يحتمل تعرضهم للمرض. وحالة الكونجو ربما تصبح القاعدة وليس الاستثناء. إنها تحذرنا من أن مكافحة الأوبئة في المستقبل ستتعلق بالمخاوف الأمنية وبناء الثقة في المجتمعات وتوافر قنوات دبلوماسية لدعم القائمين على التصدي للمرض، بقدر ما تتعلق بالمعرفة الطبية.
وعدم الاستقرار المتزايد في العالم ليس عامل الخطورة الوحيد المتصاعد. فالتغير المناخي يضغط على الأنظمة البيئية ويجبر البشر على اتصال أكبر مع أنواع تحمل المرض، ويسمح للحشرات الناقلة للمرض بأن تنتعش في أماكن جديدة. وترابط العالم والتنمية، وهو شيء جيد بصفة عامة، يعني أن ظهور مرض في أي ركن ناءٍ من العالم يمكنه أن ينتقل إلى مدنٍ آهلةٍ بالسكان في أقل من 24 ساعة. وفي الوقت نفسه، يعزز الشك المدعوم بالشعبوية في السلطة شعوراً مناهضاً للقاحات على الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى العالم. فإذا ابتلينا بوباء، فهل سينصاع الناس لتعليمات مسؤولي الصحة العموميين، أم سيكون هناك ضعف حيوي يتمثل في الميل الحالي نحو تصديق نظريات المؤامرة والخطب الغاضبة حول الدولة العميقة؟
وهناك أيضاً الافتقار إلى قيادة أميركية. صحيح أن سكان غرب أفريقيا يستحقون قدراً كبيراً من الاعتراف بالفضل لهم في مكافحة وباء الإيبولا عامي 2014 و2015، لكن الفارق الحيوي تحقق بفضل الاستجابة الكبيرة التي أتقنها أوباما، بنشره عشرة آلاف مدني أميركي، وإنفاق 5.7 مليار دولار في الخارج والداخل، ونشر قوات أميركية للمرة الأولى لمكافحة المرض.
والولايات المتحدة لم تعد حالياً تتزعم الموقف. فقد سافر مسؤولون أميركيون بارزون إلى الكونجو وصرحوا بما يجب القيام به، وهم يستحقون الإشادة لهذا. لكن مزيج المخاوف الأمنية المشروعة مع موقف ترامب السلبي حيال أفريقيا ونظرته الانعزالية تجاه العالم عموماً.. كل هذا أدى إلى سحب الأميركيين من خطوط المواجهة. وقدمت الولايات المتحدة دعماً مالياً متواضعاً للتصدي للوباء. فقد أرسلت 20 مليون دولار فحسب، وهو أقل مما ساهمت به مجموعة من المنظمات غير الهادفة للربح وأقل من نصف المساهمة البريطانية. وتمت عرقلة تمويل أميركي إضافي بموجب تشريع كان بوسع الرئيس إبطاله، لكنه رفض القيام بذلك.
وفي ظل ظروف مثل هذه، لا مفر لقيادة البيت الأبيض من الإسهام والتدخل. فبعد الانتهاء من مسعى التصدي لإيبولا عامي 2014 و2015، وبعد إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في أفريقيا، أعلن أوباما أن المسعى «ساعد في تذكير العالم بما يجعل أميركا استثنائية». والآن، في الوقت الذي تستعر فيه الأوبئة وتتصاعد احتمالات ظهور وباء واسع النطاق، تشتد حاجتنا كل يوم إلى قيادة البيت الأبيض لمواجهة هذا الخطر.
*محامٍ ومعاون بارز للرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما
ينشر بترتب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»