المعلومات التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي والتي أفادت بأن الرئيس دونالد ترامب طلب من الرئيس الأوكراني الجديد فلودومير زيلينسكي التحقيق مع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أعادت إحياء دعوات سابقة من مجلس النواب الأميركي إلى عزله من منصبه. غير أن الأمر هذه المرة يتعلق بتحد جد خطير ربما يطرح أكبر تهديد حتى الآن بالنسبة لمستقبل ترامب.
ويبدو أن مصدر متاعب ترامب هو عضو في أجهزة الاستخبارات كُلف بالعمل في البيت الأبيض والتعامل مع الاتصالات السرية. هذا العميل انتابه القلق لفترة من الزمن بشأن محتوى مكالمة هاتفية بين ترامب وزيلينسكي. فخلال تلك المكالمة، أراد ترامب خدمة من زيلينسكي، إذ طلب منه التحقيق في سلوك بايدن في أوكرانيا عندما كان نائباً للرئيس. كما عَرف العميل من زملاء آخرين أن إجراءات قصوى تُتخذ في البيت الأبيض من أجل الإبقاء على محتوى المكالمة الهاتفية سرياً. فنقل العميل بواعث قلقه لرئيسه في العمل الذي ارتأى أن المعلومات جدية وجديرة بتحقيق معمق. ومنذ تلك اللحظة، أصبح العميل رسمياً «مخبراً» محمياً بالقانون الفدرالي من أي أعمال انتقامية.
والواقع أن الاتهامات الموجهة لترامب من قبل تقرير المخبر، أخطر من تقرير مولر الطويل والمهادن بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 ودعمه لترشح ترامب. ذلك أنه لأول مرة، أخذ عدد صغير جداً من الجمهوريين يتساءلون بشكل صريح بشأن سلوك الرئيس وجهوده اللاحقة الرامية للتغطية على أدلة وعلى مكالمات هاتفية مع زعماء أجانب مثل فلاديمير بوتين. ولعل الأكثر إثارةً للقلق من وجهة نظر ترامب، هو السلبية النسبية لزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل الذي دعم دعوات موجهة إلى الإدارة الحالية من أجل التحلي بالشفافية، واعترف بأنه إذا صوّت أعضاءُ مجلس النواب لصالح العزل، فإن مجلس الشيوخ لن يكون لديه خيار آخر غير تسلم القضية، التي إن اقتنعت بصحتها أغلبية ثلثي المجلس، فإنها ستعني نهاية رئاسة ترامب.
ويعتمد ترامب على مجموعتين من أجل بقائه في منصبه حتى الآن، قاعدة أنصاره التي تعتقد أنه لا يمكن أن يرتكب فعلا مخالفاً للقانون وللقواعد التي تحكم سلوك شاغل المنصب الرئاسي. وهي قاعدة انتخابية ستدعمه على أي حال ومهما كان الثمن. أما المجموعة الأخرى، فهي الجمهوريون الكبار في الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وداخل الإدارة، ممن يتحتم عليهم دعمه خوفاً من تأثير تقرير سيئ من ترامب –على شكل تغريدة على تويتر– على آفاق مستقبلهم السياسي، بما في ذلك فرص إعادة انتخابهم في عام 2020. فقد حافظ ترامب على انضباطهم وخضوعهم بوساطة الخوف، وليس الإعجاب أو الحب. وبالتالي، فإذا بدأ هذا المظهر الخارجي الذي يوحي بالصلابة والقوة في الانحسار أو التآكل، فإن مزيداً من المنتقدين سيخرجون إلى الواجهة. ذلك أن الكثير من أنصاره المفترضين لا يحبونه، لاسيما أولئك الذين كان يسخر منهم علانية ويطلق عليهم ألقاباً استهزائية في الماضي. وعندما سيُنظر إليه على أنه بات ضعيفاً وهشاً، فإن عدداً مهماً من الجمهوريين يمكن أن ينقلبوا عليه بسرعة كبيرة.
ذلك، إلى حد ما، هو ما حدث للرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1974. فخلال كل جلسات العزل التي عُقدت في مجلس النواب تلك السنة، أبقى الجمهوريون في مجلس الشيوخ على دعمهم له حتى اللحظة التي باتت فيها «جرائم» نيكسون واضحة جداً، وبات واضحاً أنه سيتعرض للعزل. في تلك اللحظة، في السابع من أغسطس من ذلك العام، ذهب ثلاثة جمهوريين كبار، هم السيناتور باري غولدووتر، وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ هيو سكوت، وزعيم الأقلية في مجلس النواب جون رودز، إلى البيت الأبيض وقالوا لنيكسون إنه لن ينجو من تصويت حول عزله في مجلس الشيوخ. فأعلن نيكسون استقالته في التاسع من أغسطس وأصبح نائب الرئيس جيرالد فورد رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. وبعد شهر على مغادرة نيكسون البيت الأبيض، أي في الثامن من شهر سبتمبر عام 1974، منح فورد نيكسون عفواً كاملا غير مشروط عن أي جرائم قد يكون ارتكبها عندما كان رئيساً. وهكذا، تجنب نيكسون محاكمة عامة وعقوبة محتملة بالسجن.