قبل حوالي عامين، سمحت بنجلاديش بدخول نحو 750.000 شخص من الروهينجا الفارين من الاضطهاد على الجانب الآخر من الحدود. وتنظر السلطات في ميانمار إلى الروهينجا، وهي أقلية يغلب عليها المسلمون، كمتطفلين ومن غير المواطنين – وهو موقف يرفضه المجتمع الدولي إلى حدٍ كبير.
ويواجه الروهينجا، المهجورون في معسكرات قذرة في بنجلاديش، حالةً ميؤوساً منها. فهل يفكرون في العودة إلى ديارهم في بلد لا يضمنون فيه حقوقهم السياسية وحيث لا تزال تهديدات العنف قائمة؟ أم يظلون في طي النسيان في المخيمات، يكافحون مع وجود قاتم في بلد يشعر بالضغط جراء وجودهم فيه؟
في خطابها الأسبوع الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قالت رئيسة وزراء بنجلاديش «الشيخة حسينة واجد» إنه يجب على المجتمع الدولي أن «يتفهم عدم القدرة على تحمل الوضع الراهن، وأن شعبها يتعامل مع «أزمة هي من صنع ميانمار».
إن «الشيخة حسينة» متعاطفة مع محنة الروهينجا. فأثناء وجودها في فندق بمانهاتن يوم الجمعة الماضية، ذكرت «أنه عبء كبير بالنسبة لبنجلاديش، لا شك في هذا. لكن ما يواجهونه هو تقريباً نوع من الإبادة الجماعية»، في إشارة إلى العنف الذي اندلع في مجتمعات الروهينجا عام 2017. وأضافت: «لقد حدثت أشياء كثيرة مثل القتل والتعذيب والحرق العمد والاغتصاب. وكانوا مضطرين إلى الفرار من بلادهم من أجل سلامتهم وأمنهم».
وعلى الرغم من أنه كانت هناك اتفاقات مع ميانمار، المعروفة أيضاً باسم بورما، لإعادة أعدادٍ صغيرة من اللاجئين، فإن الغالبية العظمى خائفون للغاية من العودة. ومن جانبهم، يقول المدافعون عن حقوق الروهينجا إن اللاجئين يخشون العودة إلى وضع محفوف بالمخاطر في ميانمار، حيث يمكن أن يكونوا عرضةً لهجمات من نوع من الغوغاء الموالين للحكومة والقوات العسكرية التي أحرقت قراهم وقتلت واغتصبت أحباءهم.
وهم يطالبون بضمان الحصول على الجنسية من سلطات الدولة، وهو أمر لا ترغب حكومة ميانمار في فرضه. إن قانون المواطنة الذي صدر عام 1982 جرد الروهينجا من نفس الامتيازات وحقوق المواطنة لجماعات الأقليات العرقية الأخرى في البلاد. ويصف المسؤولون في ميانمار الروهينجا بأنهم سكان «بنغاليين» ويصف حملة العنف في عام 2017 باعتبارها عملية لمكافحة الإرهاب ضد المتطرفين الخطرين في ولاية راخين، على الحدود مع بنجلاديش.
والبعض الآخر غير مقتنعين بذلك. فقد ذكر رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن «حكومة ميانمار غير متأثرة وتصر على أنها كانت تقوم بجهود لمحاربة الإرهابيين». وأردف: «هذا ما يجعلنا نشعر بخيبة أمل، لأننا نعلم أن ما يحدث حقاً هو إبادة جماعية».
هذه ليست مغالاة بالضبط. فقد حذر تقرير صدر مؤخراً بتكليف من الأمم المتحدة من استمرار نفس ظروف العنف التي أدت إلى موجة النزوح عام 2017. وخلص التقرير إلى أنه «هناك استدلال قوي على نية الإبادة الجماعية من جانب [حكومة ميانمار]، وهناك خطر كبير من احتمال تكرار أعمال الإبادة الجماعية، وتفشل ميانمار في الوفاء بالتزامها بمنع هذه الأعمال والتحقيق فيها وسن تشريعات فعالة تُجرّمها ومعاقبة من يرتكبها».
وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، تحدث «مارك جرين»، كبير المسؤولين الأميركيين لشؤون المساعدات الخارجية، إلى شبكة (إيه بي سي نيوز) عما رآه في رحلة لتقصي الحقائق في غرب ميانمار ومخيمات اللاجئين في بنجلاديش: «لن أنسى هذا أبدأ: نظر أب شاب من الروهينجا في عيني وقال: ليس هناك معلمون، ولا يستطيع أبنائي الذهاب إلى المدرسة. ليس لدينا مسجد، لذا لا يمكننا العبادة. ولا يُسمح لنا بالمغادرة دون إذن كتابي، الذي لا نحصل عليه. والطعام الوحيد الذي لدينا هو ما نحصل عليه منكم، فماذا أقول لأبنائي؟».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال «يانجهي لي»، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بميانمار، للصحفيين: «لم تفعل ميانمار شيئاً لتفكيك نظام العنف والاضطهاد، والروهينجا الذين يظلون في راخين يعيشون في نفس الظروف القاسية التي عاشوا فيها قبل أحداث أغسطس 2017».
كما أن الوضع في بنجلاديش قاتم أيضاً. وفي هذا الصدد، قالت الرئيسة «حسينة» إن العبء الذي تتحمله بلادها الآن يمكن أن يتحول إلى أزمة إقليمية. وأضافت أن هناك شعباً من اللاجئين الساخطين والعاطلين أصبح جاهزاً للتطرف. وأكدت أنه «إذا بقوا لفترة أطول، فمن السهل جداً تحويلهم أو ضمهم إلى جماعات مسلحة».
وقد اتخذت حكومتها في الأسبوع الماضي إجراءات جديدة لبناء أسوار شائكة حول معسكرات الروهينجا وحراسة محيطها. وقامت السلطات البنجلاديشية بالفعل بقطع وصول الروهينجا إلى الإنترنت والهواتف المحمولة. كما أنها تعتزم أيضاً نقل عشرات الآلاف من اللاجئين إلى منشآت كبيرة أقيمت في جزيرة مقابلة لساحل بنجلاديش، والتي يخشى النقاد من أن تتعرض لفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية.
واعترضت الشيخة حسينة على ما ذكرته منظمات غير حكومية ووكالات دولية، وقالت إن حكومتها تعمل لصالح «سلامة وأمن» اللاجئين. وأشارت إلى تقارير تفيد بأن الفتيات والشابات يقعن فريسة لشبكات الاتجار غير المشروع بالبشر والتي وصلت إلى المخيمات المتهالكة التي تضم أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»