إذا كان في العالم طفلة على الجمعية العامة للأمم المتحدة الاستماع إليها فهي ليست السويدية «جريتا تونبرغ»، بل واحدة من كل خمسة أطفال في العالم من ضحايا الحروب، حسب تقرير المنظمة العالمية «أنقذوا الأطفال». هذه الوقائع المروعة تتوجه إلى الفتاة السويدية «تونبرغ» بسؤالها نفسه الذي كررته على زعماء العالم: كيف تجرؤين على الحديث عن تهديد تغير المناخ العالمي مستقبَلك، فيما يُقتل 420 مليون طفل بسبب غزو العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين والسودان والصومال، وبينهم نحو مليون طفل لم يبلغوا الخامسة من العمر؟ ولو جاءت الفتاة السويدية إلى قاعة الأمم المتحدة بألف أو مائة فقط من بنات العرب والمسلمين المقعدات والمشوهة أبدانهن لبدا سؤالها «كيف تجرؤون؟» أكثر جرأة، ولما أثار سخرية الرئيس الأميركي الذي وضع فوق لقطة من خطاب «تونبرغ» أمام الأمم المتحدة تغريدةً تقول: «تبدو شابة سعيدة جداً تتطلع نحو مستقبل رائع وباسم!».
وتجهل «جريتا» أن تراكم غازات الكربون في الجو ناتج عن إحراق وقود النفط مصدر ثروات لا تنضب، تلتقطها تكنولوجيات جديدة، وتحولها إلى مواد بناء أو تستخرج منها طاقة خضراء. «الوكالة الدولية للطاقة» أعلنت أن اتفاقية باريس للمناخ لا يمكن تحقيقها دون استخدام تكنولوجيات التقاط وخزن غازات الكربون في محطات إنتاج الطاقة. وقد شرعت شركة النفط العالمية «إكسون» باستخدام هذه التكنولوجيات منذ سبعينيات القرن الماضي، وتذكر أنها التقطت بواسطتها وخزنت 40% من كميات غازات الكربون المطلقة. وتستخدم «إكسون» تقنية «خلايا الوقود» غير المكلفة لالتقاط الكربون من المواقع الصناعية الكبيرة ومحطات الطاقة.
وما يزال موضوع تغير المناخ العالمي على صعيد الدردشة العالمية، كما كان عندما كنتُ أغطي مؤتمراته العلمية مطلع تسعينيات القرن الماضي، موضع خلافات وصراعات سياسية واقتصادية وعلمية. آنذاك انتهزتُ فرصة حديثي مع عالم الفضاء اللبناني مصطفى شاهين، رئيس علماء مختبر وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، ورئيس الهيئة الدولية لقياس حرارة الأرض والرطوبة، وحوّلت سؤالي عن تغير المناخ العالمي إلى السؤال عن احتمال وجود كواكب أخرى مسكونة بالكائنات الفضائية في الكون، وسُررتُ عندما انطلق شاهين في الحديث عن ذلك. ولو لم يغادر شاهين الحياة لسألتُه الآن عن مكائن عملاقة ابتكرها السويسريون تلتقط غازات الكربون المنبعثة عن حرق وقود النفط وغيرها من الغازات الدفيئة المتراكمة في جو الأرض، وتحوّلها إلى أحجار لتبليط الشوارع والمباني. ويحقق التقاط غازات الكربون أهم أهداف اتفاقية باريس للمناخ العالمي لوقف درجات الحرارة العالمية عن الارتفاع أكثر من درجتين مئويتين. والتكنولوجيات السويسرية تمتص، كالأشجار، غازات ثاني أوكسيد الكربون من الجو مباشرة، أو من محطات الوقود. وتُعرّض الغازات الملتقطة للحرارة التي تعكس عملية إطلاق الغاز، ثم تُضغطُ غازات الكربون الملتقطة وتمزج بالماء وتدفنُ تحت الأرض، حيث تتحول خلال سنتين إلى حجارة بازلت. مصانع تجريبية عدة لذلك أقيمت في سويسرا وإيسلندا وكندا، ويلتقط أحدها نحو 900 طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، ويعادل هذا إطلاق 200 سيارة. وللمقارنة يطلق العالم حالياً 40 مليار طن متري سنوياً.
وتعيدني الدردشة العالمية حول الموضوع إلى «قمة الأرض» في ريودي جنيرو بالبرازيل عام 1992. آنذاك أعيتني الخطب المطولة لزعماء العالم، فغادرت قاعة الاجتماعات بعد كلمة «كاسترو» رئيس كوبا، الذي التزم بالوقت المحدد خمس دقائق، ووجدت خارج مبنى القمة مروحيات الحراسة غادرت مثلي إلى شاطئ «كوباكبانا» على المحيط الأطلسي، تُحوِّم على علوٍ منخفض من الشاطئ. هناك سمعتُني أردد قول الشاعر بابلو نيرودا: «فلنكن كرماء بنسيان أولئك الذين لا يستطيعون أن يحبونا».

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا