نموذجان في الوطن العربي بدآ يبرزان على سطح المشهد العام وأخذا، بمرور الوقت، مكاناً لافتاً استجلب تفاعل رجل الشارع الذي كان مدفوعاً إلى متابعتهما: إما برغبة دفينة وإعجاب وانتظار طال كثيراً، وإما باستفزاز سافر في شكل تحد له فعل النار في النفس الأبيّة. كما أصبح رجل الشارع العربي يستشهد بهذين النموذجين كلما أثير حديث أو نقاش أو اقتضت الضرورة ضرب مثل. النموذج الأول سلبيٌ وهو تطوير إيران لصناعة الجهل والتجهيل وإشاعتها في العراق، والعمل على استمرارها وديمومتها لتصبح جزءاً طبيعياً من الحياة الاجتماعية، من دون أن تلقى حتى الوقت الراهن أية مقاومة ناجحة للصد. والنموذج الثاني إيجابيٌ وهو تطوير الحالة المجتمعية الواعية في السودان بشقها السياسي المؤسسي لتشمل كافة المجالات والمستويات. ويجري ذلك بإرادة راسخة متوثبة ورؤية واضحة من شأنها أن تضمن للبلاد فك العزلة والإندماج في الأسرة الدولية لتقديم العون والمساعدة في إنهاض سودان جديد يلبي طموحات شعبه.
والإشارة للحالة السودانية الإيجابية وتطويرها لا يعني على الإطلاق أن الساحة العربية خالية من نماذج مشرفة لتجارب تنموية مبهرة وقصص نجاح فارقة. من بين تلك النماذج الأهم والماثلة في الراهن، دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تحتفي بمنجزها الفارق وهو ارتياد أحد أبنائها (هزاع المنصوري) الفضاء الخارجي ووصوله إلى المحطة الفضائية، مسجلاً بذلك خطوة أساسية ومهمة.. عميقة في علميتها، وواسعة في رمزيتها الملهمة التي تحيل إلى برنامج طويل لإنهاض أمة واسترجاع حضارة سادت لقرون.
ما تفعله إيران في العراق على مدى 16 عاماً هو انتقام غير مسبوق في التاريخ القديم والحديث، فتصديرها إلى العراق طقوس الشعوذة والخرافات، يعدُّ مشروع جهل وتجهيل وإلهاء يهدف إلى القضاء على التعليم الذي تميز به هذا البلد العربي حيث بلغت يوماً نسبة الأمية فيه قرابة الصفر بحسب تقارير أممية. وهو ضرب للهوية العربية للعراق وشعبه القائم أساساً على التنوع القيمي والثقافي والإثني واختلاف الأعراق والمنابت والأصول. المشروع الإيراني بدأ يطال اليوم المدارس والجامعات، وحتى المنتديات الثقافية التي غالباً ما يرتادها النخبة الفكرية والمجتمعية. ماذا سيكون مصير الأجيال العراقية القادمة بعد عشرين عاماً إذا ما استمرت عملية حقن الأدمغة بطقوس الشعوذة الثقافية القبورية؟ هذا ما لا يحتاج إلى كثير شرح أو توضيح.
أما النموذج السوداني الإيجابي فهو أحد النماذج الأحدث عصرياً كونه جاء وتطور نتيجة لنهج مسالم وفاعل أقرب ما يكون إلى نهج المهاتما غاندي في سياسة اللاعنف التي انتهت بالهند إلى ما نراها عليه اليوم، حيث باتت أعرق وأكبر الديمقراطيات في العالم. ويتوقع للنموذج السوداني بعدما يبلغ كماله في السنوات القليلة المقبلة، أن يكون الأنسب للأنظمة السياسية العربية المماثلة، فمن ذا الذي سيرفض تغييراً سلمياً ناجحاً نحو الأفضل يجري بعيداً عن الانقلابات العسكرية وإراقة الدماء تتبعها فوضى؟ بالتأكيد لا أحد سيرفض.