العالم منشغل بقضية التغير المناخي جراء تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري، وخلال الأيام الماضية برزت عدة فعاليات وأحداث في أروقة الأمم المتحدة على هامش اجتماعات الدورة الـ74 التي استضافت كوكبة شباب يمثلون مختلف دول العالم ناقشوا سبل إنقاذ الكوكب، وطرحوا أفكاراً مبدعة. وقد كشفت مداخلاتهم عن وعي حقيقي بحجم المشكلة التي تواجهنا، وثقافة عالية بما يدور على كوكبنا. لقاء الشباب هذا أعقبه احتشاد زعماء وقادة دول ورؤساء حكومات ووزراء 193 دولة استجابوا لدعوة أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من أجل حضور قمة المناخ، ووضع آليات عملية ومبادرات من شأنها أن تحد من التغير المناخي، وتواجه هذه الظاهرة التي تقض مضجع العالم. وفي كلمته الافتتاحية شدد جوتيريش على أنه يتعين على الزعماء إنهاء الأساليب التي تهدد الحياة على كوكب الأرض. فقال: (إذا لم نقم بتغيير أسلوبنا في الحياة بشكل عاجل فإننا نهدد الحياة نفسها)، ثم دعا زعماء العالم للمشاركة في إنقاذ الأرض (ليس من خلال الخطب البديعة بل من خلال الأفعال الملموسة للتخلي عن الوقود الأحفوري وإبطاء سرعة ارتفاع درجة حرارة الأرض)، فالهدف من القمة إذن خفض الاحتباس الحراري لأقل من درجتين مئويتين ليعود كما كان قبل الثورة الصناعية وألا يتجاوزها. وكل العلماء والخبراء يتفقون على أن الأراضي المنخفضة ستختفي جراء ارتفاع منسوب مياه البحار، وحياة أكثر من مليار شخص يعيشون في المناطق الساحلية مهددة بخطر الفناء، إضافة إلى جفاف حاد وعواصف كثيرة واختفاء 30% من المخلوقات. ومنذ عشرات السنين دأبت المؤسسات العلمية من مراكز بحوث وجامعات على التحذير من عواقب التغيرات المناخية، وعُقدت مؤتمرات دولية عدة لتؤكد أن الاحتباس الحراري يهدد حياة جميع الكائنات الحية، وفي مقدمتها الإنسان.
عام 2015 رسمت قمة المناخ في باريس - 2015 مساراً دولياً جديداً في جهود المناخ العالمي، وسعت إلى تحقيق أهداف اتفاق سابق تم توقيعه في العاصمة الفرنسية من أجل تكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون، وعلى هذا النحو فإن القمة رسمت مساراً دوليا جديداً في جهود المناخ العالمي.
لقد باتت آثار التغيرات المناخية واضحة لدرجة تتطلب جهوداً دولية طارئة ومسؤولة لمواجهتها. فارتفاع درجات الحرارة بات أمراً مقلقاً، ومن أبسط مؤشراته زيادة عدد الوفيات في المدن الأوروبية في فصل الصيف. إلا أن هناك مؤشرات أكثر خطورة على مستقبل الحياة في كوكب الأرض، حيث أذابت الحرارة خلال أسبوعين فقط كميات هائلة من جليد جزيرة غرينلاند ثاني أكبر مخزن للجليد في الأرض بعد القطب الجنوبي. ففي شهر يوليو ذاب حوالي ملياري طن من الجليد وفق باحثين متخصصين في شؤون غرينلاند يرصدون التآكل في غطائها الجليدي، ويؤكدون أن ما رفدته هذه الجزيرة إلى المحيطات منذ 2010 ولغاية 2018 وصل إلى 286 مليار طن من كتلة غطائها الجليدي.
من جانب آخر هناك تسارع في وتيرة ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية التي تضم حوالي 90% من الجليد على سطح الأرض. ووفقاً لما استنتجه باحثون من جامعة كاليفورنيا، فقد زاد معدل الذوبان 6 مرات في السنوات الـ40 الأخيرة. ومن المؤشرات الأخرى على خطورة الوضع، ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي في فصل الشتاء بمقدار 3 درجات عما كانت عليه عام 1990.
وعلى هامش القمة أيضاً وبمناسبة انعقادها، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى جانب منظمات علوم المناخ في العالم تقريراً بعنوان (اتحدوا في العلم)، كشف أن الفجوة صارخة ومتنامية بين الأهداف المتفق عليها لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري والواقع الفعلي لتحقيقها. وتناول التقرير تفاصيل حالة المناخ، كما سلط الضوء على الحاجة الملحة للتحول في القطاعات الرئيسة، كاستخدام الأراضي والطاقة لتجنب ارتفاع درجات الحرارة. وقدم التقرير أيضاً تقييماً موحداً لحالة نظام الأرض في ظل التأثير المتزايد لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية واستجابة البشرية حتى الآن، والتغيرات بعيدة المدى التي يتوقعها العلم للمناخ العالمي في المستقبل.
يبدو أن القمة لم تكن لأجل المناخ، بل هي في حقيقتها لأجلنا نحن. حيث ضلت البشرية طريقها منذ مئات السنين، وبالتالي إذا لم يغير الإنسان فقد لا تكون هناك فرصة أخرى للنجاة، لأن زمن تجاهل أو عدم إدراك التداعيات البيئية والكوارث الإنسانية يجب أن يمضي إلى غير رجعة، وإلا فالطبيعة ستتمرد أكثر وتثور جراء الممارسات السلبية ضدها، والعبث المفرط في توازن البيئة.
إذن لا بد من سبيل ليبدأ الإنسان خطوات إصلاحية جادة يخفف بها من حدة غضب الكوكب الأم بعدما بات شبح الفناء وخطر انقراضه وبقية الكائنات الحية ماثلاً بوضوح في ظل التغيرات التي يرى العلماء أنها أخطر كارثة تواجه كل من يعيش على وجه البسيطة في الوقت الراهن، أسئلة كثيرة يجب طرحها، لأنها بالتأكيد ليست ترفاً، وباتت تفرض نفسها بقوة على الشعوب والحكام، وبالتالي لم يعد هناك مجالاً لتأجيل الإجابة عليها أو تجاهلها والسكوت عنها، فهل حانت فعلاً ساعة الحساب؟ وهل حلّ حقاً أوان دفع فاتورة التلوث البيئي؟