حققت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً إنجازاً تقنياً آخر يضاف إلى قائمة إنجازاتها المتتالية، يتمثل في تصدرها منطقة الشرق الأوسط في التحول الناجح إلى بروتوكول الإنترنت بإصداره السادس، الذي يطلق عليه اختصاراً اسم IPv6. ووفقاً لإحصائيات صدرت حديثاً من جهات عالمية عدة تهتم برصد ومتابعة التطورات التقنية التي تختص بعالم الإنترنت، كمنظمة «رايب إن سي سي» وشركة «ألكماي تكنولوجيز» وشركة «غوغل»، فإن الإنجاز يأتي في وقت قياسي وفي أقل من عامين فقط على إطلاق هيئة تنظيم الاتصالات للمرحلة الأولى من هذا البروتوكول في الدولة. وتعتبر منظمة «رايب»، التي يقع مقرها في العاصمة الهولندية أمستردام، جهة غير ربحية تهتم بتطوير الإنترنت، وتخدم كسجل إقليمي يتم من خلاله تخصيص وتسجيل موارد وأرقام وبروتوكولات الشبكة العالمية للحكومات ومزودي الخدمات وشركات المحتوى الرقمي وغيرها في أكثر من 76 دولة ضمن مناطق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. أما شركة ألكماي العملاقة، فهي واحدة من أهم وأكبر منصات الحوسبة الموزعة في العالم، ومسؤولة عن خدمة ما يقرب من 30% من إجمالي حركة الإنترنت العالمية يومياً، وتوجد مكاتبها في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، بالولايات المتحدة الأميركية.
ومع أن الإصدار السادس من بروتوكول الإنترنت موجود منذ أكثر من عقدين من الزمن، حيث ظهر إلى حيز الوجود في عام 1998، فإنه بدأ يشهد الآن بالذات توسعاً كبيراً في الاستخدام بسبب قرب استنفاد العناوين المتاحة للإنترنت من خلال الإصدار الرابع، الذي لا يزال مستخدماً بشكل واسع، لكن لم يبقَ منه سوى مليوني عنوان متاحة وبتناقص مستمر. الإصدار الرابع يمكنه تقديم الدعم لعدد من العناوين يبلغ 4.3 مليار في حده الأقصى. لكن النمو الهائل لأعداد أجهزة الحاسوب الشخصية والهواتف الذكية وإنترنت الأشياء وغيرها، أثبت أن العالم يحتاج إلى المزيد من العناوين. إنترنت الأشياء مثلاً يتطلب تخصيص عنوان فريد لكل شيء من مليارات الأشياء التي سيربطها، والتي يُتوقع أن يصل عددها إلى نحو 20.4 مليار في عام 2020 تستخدم في المجالات الطبية والصناعية والزراعية والأمنية وغيرها. ولحسن الحظ، فإن الإصدار السادس من بروتوكول الإنترنت يستطيع أن يدعم عدداً من العناوين يقدر بنحو 340 تريليون عنوان، أو 340 سيبتيليون، وهو رقم خيالي ومهول بكل المقاييس. يذكر بأن الإصدار الخامس من البروتوكول كان نسخة تجريبية فقط واستخدمت لاختبار دفق وحركة الصوت والفيديو على الإنترنت، لكن لم يجرِ نشرها أو اعتمادها على نطاق واسع. ومن الجدير ذكره أن الإصدار السادس من البروتوكول يتميز كذلك بكفاءة أكثر بكثير من إصداره السابق من حيث قدرته الكبيرة على التعامل مع البيانات التي تنتجها الأجهزة والمعدات، وبشكل سيتيح لمزودي خدمات الإنترنت تقليل أحجام الجداول التي تعتمد عليها حركة البيانات لتوجيه مساراتها، ما يسرّع زمن انتقالها على الشبكات ويسهم في تقليل الاختناقات عليها والتي تزداد بالازدياد المطرد لأعداد الأجهزة المتصلة وكميات البيانات التي تنتجها. وسيعمل البروتوكول أيضاً على تبسيط عناوين الإنترنت بشكل يسهل معه تسجيلها ومتابعتها وحمايتها.
إن الجهود التقنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي نجحت خلال زمن قياسي في التحول إلى الإصدار السادس من بروتوكول الإنترنت، متصدرةً من خلال هذا الإنجاز دولَ المنطقة، تأتي دعماً لتوسيع آفاق الإنترنت في الدولة والتي تعتبر أحد أهم محركات المستقبل في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الكبيرة والابتكار المتقدم والمدن الذكية الشاملة. ومن شأن هذا السبق والتميز أن يسهما بشكل ملحوظ في تعزيز الريادة التي تحققها دولة الإمارات في هذه المجالات مع ما للتحول من بالغ الأثر في تسريع الدخول إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة بكل ثقة. ودولة الإمارات إذ تقود المنطقة مرة أخرى، فإنها لتثبت بالدليل تلو الآخر النظرة الثاقبة والتوجه الحكيم للقيادة الرشيدة، اللذين يهديان أبناء الإمارات إلى نجاحاتهم وإلى نهوضهم بالركائز التقنية المتقدمة التي من شأنها أن تقود الدولة إلى اقتصاد معرفي رقمي وتنمية مستدامة حقيقية ضمن جميع المجالات وبصورة تؤكد استمرار الإمارات تصدر الكثير من المؤشرات العالمية والإقليمية وبجدارة.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركر الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.