لم يكن يوم الاثنين الماضي الموافق 23 سبتمبر في المملكة العربية السعودية يوماً سعودياً فحسب، بل كان احتفالية اقتسمها السعوديون مع أشقائهم في دول الجوار، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة تحتفل ذات الاحتفالات في قلب الرياض وبذات الفرح والحماس، حتى اختلط على المراقب أي دولة تحتفل بالأخرى وأي شعب هو المحتفل بيومه الوطني، إذ امتزجت الأفراح بتجدد أواصر المحبة بين أبناء المملكة والإمارات، بل وأبناء منطقتنا ككل، لنتشارك معاً في احتفال يوم تأسيس المملكة على يد الموحِّد المغفور له عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، حين أقام مملكته الأبية بشجاعة وبسالة وإقدام في يوم تاريخي أنبأ بمولد وطن وبناء أمة وبتوحيد أرض مترامية الأطراف تحت راية التوحيد، وبهمة رجال حملوا أرواحهم على أكفهم في ملحمة وطنية انبلج على أثرها فجر النصر حين نادى المنادي «الحكم لله ثم لابن سعود» يوم 23 سبتمبر 1932م.
يختزل اليوم الوطني لتأسيس المملكة العربية السعودية عقد وفاء رفيع من نوعه ونادر في بصمته ووقعه، يتجدد فيه الولاء بين الشعب وقيادته عاماً بعد آخر، فتظهر فيه المشاعر الصادقة ومظاهر الحب في صورة باذخة تستحضر ملحمة عبدالعزيز ورجاله لتكون هي ذاتها ملحمة من المشاعر لشعب وضع وطنه وقيادته على هامته، يسل سيف الوفاء لمن يحاول الغدر بحق الوطن ويقدم الروح في سبيل أهدافه الوطنية.. نعم إنه الشعب السعودي الأبي الذي يثبت يوماً بعد يوم أنه مدرسة في الوطنية والإخلاص وحب الوطن.
شعار اليوم الوطني السعودي التاسع والثمانين «همة حتى القمة»، هو ترجمة لاستنهاض العزائم وصناعة التطور واتقاد الهمم لوطن يعانق طموح قيادته عنان السماء، وتتجاوز خططه قضايا اللحظة إلى أهداف أسمى وأكبر تصبو إلى التنمية البشرية المستدامة، ورفع مستوى جودة الحياة والقفز بالمملكة إلى مصاف الريادة في العالم، بتحديث سياستها الاقتصادية والتنموية وتوظيف قدرات الفرد السعودي، لتصبح المملكة نقطة التقاء الحضارات، لما تمثله من مكانة دينية واستراتيجية وقوة اقتصادية تؤهلها لأن تحقق كل ذلك وفي فترة ليست بالبعيدة، وصولاً إلى القمة التي تسعى إليها إن شاء الله تعالى.
وحين يلتقي التاريخ بالحاضر، وحين تلتقي همم شباب اليوم بما صنعه الآباء والأجداد.. فحتما سوف يؤدي ذلك إلى صناعة كيان متجدد وممتد من الجذور للجذور، فمن لا يحترم تاريخه ويثمن تضحيات أجداده، لن يكمل بناءً ولن يطور وطناً عظيماً جوهره إرث من القيم النقية والملاحم النبيلة على رمضاء أديم صحراء ألهبت أقداماً بنت عليها لبنة لبنة وشيّدت فوق رمالها صروحاً من العزة والكرامة والإباء.. أفلا يستحق هذا الإرث أن يحتفي به الأحفاد، بل وأن تحتفي به المنطقة العربية برمتها، كونها مملكة سعودية توسطتها «العربية» قبل هوية من أسسها؟
دام عز المملكة العربية السعودية شامخة أبية بحكامها وشعبها، ودام عز من يسندها في السراء والضراء، ويشاركها الأفراح والأتراح أبناء زايد وحكام الإمارات الأوفياء، لا فرّق الله لهم شملاً ولا أسقط لهم راية ولا أنزل لهم رأساً.

*كاتبة سعودية